كلمات في الرقائق
صفحة 1 من اصل 1
كلمات في الرقائق
فمنهم
من يقوم والعرق قد وصل إلى كعبيه ، ومنهم من بلغ العرق وسطه، ومنهم من
ألجمه العرق إلجاماً ، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه ، يغرق الناس في
عرقهم، فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد
بن الأسود قال رسول الله r: (( تُدنى الشمس من الرؤوس بمقدار ميل)) ([7])
قال سليم بن عامر: والله ما أدري أهو الميل المسافة المعروفة أم الميل الذي
تكتحل به العيون ، تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر
ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا
وعظامنا، ورب الكعبة في هذا المشهد الرهيب، يُحشر صنف إلى الله على
الأقدام.
وانظر إلى الصنف الثالث الذي يخلع القلب، تصور وأنت تمشي
وأنت عار ترى صنفاً يركب إلى جوارك، وترى صنفا يمشي، وترى صنفا يمشي على
وجهه ويديه.
تخيل معي يا أخي: ترى صنفاً يحشر على وجهه ، رجلاه إلى
أعلى ووجهه إلى أسفل كيف ذلك ؟! سئل النبي r في ذلك، والحديث في الصحيحين
من حديث أنس قيل: يا رسول كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال r:
((أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادرا على أن يمشيه يوم القيامة على
وجهه )) ([8]) قال قتادة: قلت: بلى وعزة ربنا .
وأنا أقول بلسانكم
جميعا : بلى وعزة ربنا إنه لقادر تدبر معي قول ربي: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء/97] سنحشر على
أرض تختلف عن هذه الأرض، وستقف للحساب على أرض ليست هي هذه الأرض: {يَوْمَ
تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم48] .
تصور البشرية كلها من لدن
آدم إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة، تصور البشرية كلها، وهي تقف في أرض
المحشر في أرض بيضاء نقية، كقرص نقي أي: بيضاء كبياض الدقيق الذي نخل من
الغش والنخال، أرض بيضاء لم يعص ربنا عليها ولم يرتكب ذنب عليها، يحشر
الخلق جميعا عليها للسؤال بين يدي الكبير المتعال – جل وعلا.
تصور
معي هذه المشاهد التي تخلع القلوب، لنستعد من الآن للقاء علام الغيوب،
بالتوبة والأوبة، والعمل الصالح، كما سأذكر في نهاية اللقاء إن شاء الله
تعالى، فالذكرى لا تنفع إلا من وحد الله ولا تنفع إلا من حقق الإيمان بالله
قال الله – عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
} [الذاريات/55] . اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين الذي ينتفعون بالذكر
، برحمتك يا أرحم الراحمين .
تقف البشرية كلها وقد انقادت لهذا
الداعي الذي بعث من قبل الله، ليقودها كلها إلى أرض حددها الله يتبع الكل
هذا الداعي، من الملائكة لا يلتفت أحد، ولا يتخلف أحد، لا غني ، ولا فقير ،
ولا حاكم، ولا محكوم، الكل عار أمام ربي: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ
الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا
تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً{108} يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً{109} يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً{110}
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ
ظُلْماً} [ طه/108-111] .
تقف البشرية كلها في خشوع وصمت، لا يتكلم
أحد، إلا بعد أن يأذن له الرحمن، ولا يشفع أحد إلا بعد إذن الرحمن، فيشفع
سيد الخلق وحبيب الحق r يشفع في القضاء، وللرسول r عدة شفاعات لا يتسع
الوقت لسردها .
يشفع في القضاء ويقبل الله شفاعة إمام الأنبياء r
ويتنزل الحق تنزيلا يليق بكماله وجلاله، للقضاء بين عباده، ويوضع كرسي
الملك حيث شاء بالكيفية، التي شاء بعد ما تتنزل ملائكة السماوات السبع ،
لتحيط الملائكة بالبشرية كلها من كل ناحية ويتنزل الملك.
قال–جل
وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ
الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ
الأمُورُ} [البقرة/210] قال الله– عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء
وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{69} وَوُفِّيَتْ
كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [
الزمر/70،69] قال الله–عز وجل: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}
وجاء ربك مجيئاً يليق بجلاله {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}
[الفجر/22].
أحاطت الملائكة صفا بعد صف بالخلائق كلها ، من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة .
ويبدأ
الحساب بالعرض على الملك الوهاب ، ويبدأ بالعرض على الله – جل وعلا – وذلك
بتطاير الكتب ، يطير كل كتاب إلى صاحبه ، فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه –
اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك – ومنهم من يأخذ بشماله .
ترى صنفاً
تنادي عليه الملائكة أين فلان ابن فلان من هذا ؟ اسمي ؟ ماذا تريدون يا
ملائكة الله ؟ أقبل للعرض على الله – جل وعلا – أقبل للقيام بين الحق –
تبارك وتعالى – فتتقدم على رؤوس الخلائق ، وقد قرع النداء قلبك ، فارتعدت
فرائصك ، واضطربت جوارحك ، وأنت تسير في ذل وانكسار ، لتقف بين يدي العزيز
الغفار ، والملك القهار .
إن كنت من المؤمنين الصادقين فربك رب
العالمين منه حتى يضع رب العزة عليه كنفه . والكنف في اللغة : الستر
والرحمة ويقرره بذنوبه فيقول الرب للمؤمن : عبدي قد فعلت كذا قلنا يوم كذا
وكذا فصحيفتك لا تخفي شيئا فكم من بلية ، قد كنت أخفيتها ، أظهرها الله لك
وأبداها ، وكم من معصية قد كنت نسيتها ، ذكرك الله إياها {عِندَ رَبِّي فِي
كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه/52] {فَمَن يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة/8،7].
يذكرك الله بكل شيء فيقول الرب
للعبد المؤمن : قد فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول المؤمن : ربي أعرف ،
ربي أعرف ، فيقول الحق - جل جلاله : لكنني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها
لك اليوم (1) ...
فيعطيه صحيفة حسناته ويقال له : اذهب إلى الجنة
فينطلق وكتابه بيمينه ، وقد فاز فوزاً لا خسران بعده ، وسعد سعادة لا شقاء
بعدها أبداً انطلق لإخوانه لأقرانه من أهل الإيمان ، انظروا شاركوني الفرحة
والسعادة هذا كتابي بيميني {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ
حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ
عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا
أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة/19-24] .
أما
إن كانت الأخرى – أعاذنا الله وإياكم من الأخرى – يعطيه الله كتابه بشماله
ويقال: انطلق إلى أين ؟ إلى أمك الهاوية {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ{10}
نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة/11،10] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ
أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا
أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ
فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ
ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34}
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ
غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ } [ الحاقة/25-37].
روى
البخاري ومسلم من حديث عائشة، أن النبي r قال: ((من نوقش الحساب يوم
القيامة عُذّب)) . قالت عائشة: يا رسول الله أليس الله يقول: {فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ{7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً
يَسِيراً} [الانشقاق/8،7] ؟ قال: ((ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض فمن نوقش
الحساب يوم القيامة عذب )) ([9]).
وسط هذا الهول ينادي الله تبارك
وتعالى على طائفة من أمة الحبيب المصطفي r لتنطلق مباشرة إلى الجنة من غير
حساب ، ولا عذاب – اللهم اجعلنا منهم يارب .
روى البخاري ومسلم من
حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (( يدخل الجنة
من أمتي يوم القيامة زمرة تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر([10]) هؤلاء
إلى الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب)) .
روى البخاري ومسلم من حديث
ابن عباس قال r: ((عرضت عليّ الأمم – أي ليلة المعراج كما في رواية للترمذي
بسند حسن ((عرضت عليّ الأمم – فرأيت النبي ومعه الرهط ورأيت النبي ومعه
الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد وبينا أنا كذلك إذا رفع لي سواد
عظيم)) أي: رأى النبي r سواداً عظيماً في طريقه إلى الجنة فظننت أنهم أمتي
فقيل لي: هذا موسى وقومه – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وهذه كرامة
لنبي الله موسى ((هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد
عظيم وقيل لي: انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم وقيل لي : هذه أمتك
ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))(1) .
من يقوم والعرق قد وصل إلى كعبيه ، ومنهم من بلغ العرق وسطه، ومنهم من
ألجمه العرق إلجاماً ، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه ، يغرق الناس في
عرقهم، فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد
بن الأسود قال رسول الله r: (( تُدنى الشمس من الرؤوس بمقدار ميل)) ([7])
قال سليم بن عامر: والله ما أدري أهو الميل المسافة المعروفة أم الميل الذي
تكتحل به العيون ، تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر
ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا
وعظامنا، ورب الكعبة في هذا المشهد الرهيب، يُحشر صنف إلى الله على
الأقدام.
وانظر إلى الصنف الثالث الذي يخلع القلب، تصور وأنت تمشي
وأنت عار ترى صنفاً يركب إلى جوارك، وترى صنفا يمشي، وترى صنفا يمشي على
وجهه ويديه.
تخيل معي يا أخي: ترى صنفاً يحشر على وجهه ، رجلاه إلى
أعلى ووجهه إلى أسفل كيف ذلك ؟! سئل النبي r في ذلك، والحديث في الصحيحين
من حديث أنس قيل: يا رسول كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال r:
((أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادرا على أن يمشيه يوم القيامة على
وجهه )) ([8]) قال قتادة: قلت: بلى وعزة ربنا .
وأنا أقول بلسانكم
جميعا : بلى وعزة ربنا إنه لقادر تدبر معي قول ربي: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء/97] سنحشر على
أرض تختلف عن هذه الأرض، وستقف للحساب على أرض ليست هي هذه الأرض: {يَوْمَ
تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم48] .
تصور البشرية كلها من لدن
آدم إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة، تصور البشرية كلها، وهي تقف في أرض
المحشر في أرض بيضاء نقية، كقرص نقي أي: بيضاء كبياض الدقيق الذي نخل من
الغش والنخال، أرض بيضاء لم يعص ربنا عليها ولم يرتكب ذنب عليها، يحشر
الخلق جميعا عليها للسؤال بين يدي الكبير المتعال – جل وعلا.
تصور
معي هذه المشاهد التي تخلع القلوب، لنستعد من الآن للقاء علام الغيوب،
بالتوبة والأوبة، والعمل الصالح، كما سأذكر في نهاية اللقاء إن شاء الله
تعالى، فالذكرى لا تنفع إلا من وحد الله ولا تنفع إلا من حقق الإيمان بالله
قال الله – عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
} [الذاريات/55] . اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين الذي ينتفعون بالذكر
، برحمتك يا أرحم الراحمين .
تقف البشرية كلها وقد انقادت لهذا
الداعي الذي بعث من قبل الله، ليقودها كلها إلى أرض حددها الله يتبع الكل
هذا الداعي، من الملائكة لا يلتفت أحد، ولا يتخلف أحد، لا غني ، ولا فقير ،
ولا حاكم، ولا محكوم، الكل عار أمام ربي: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ
الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا
تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً{108} يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً{109} يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً{110}
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ
ظُلْماً} [ طه/108-111] .
تقف البشرية كلها في خشوع وصمت، لا يتكلم
أحد، إلا بعد أن يأذن له الرحمن، ولا يشفع أحد إلا بعد إذن الرحمن، فيشفع
سيد الخلق وحبيب الحق r يشفع في القضاء، وللرسول r عدة شفاعات لا يتسع
الوقت لسردها .
يشفع في القضاء ويقبل الله شفاعة إمام الأنبياء r
ويتنزل الحق تنزيلا يليق بكماله وجلاله، للقضاء بين عباده، ويوضع كرسي
الملك حيث شاء بالكيفية، التي شاء بعد ما تتنزل ملائكة السماوات السبع ،
لتحيط الملائكة بالبشرية كلها من كل ناحية ويتنزل الملك.
قال–جل
وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ
الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ
الأمُورُ} [البقرة/210] قال الله– عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء
وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{69} وَوُفِّيَتْ
كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [
الزمر/70،69] قال الله–عز وجل: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}
وجاء ربك مجيئاً يليق بجلاله {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}
[الفجر/22].
أحاطت الملائكة صفا بعد صف بالخلائق كلها ، من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة .
ويبدأ
الحساب بالعرض على الملك الوهاب ، ويبدأ بالعرض على الله – جل وعلا – وذلك
بتطاير الكتب ، يطير كل كتاب إلى صاحبه ، فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه –
اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك – ومنهم من يأخذ بشماله .
ترى صنفاً
تنادي عليه الملائكة أين فلان ابن فلان من هذا ؟ اسمي ؟ ماذا تريدون يا
ملائكة الله ؟ أقبل للعرض على الله – جل وعلا – أقبل للقيام بين الحق –
تبارك وتعالى – فتتقدم على رؤوس الخلائق ، وقد قرع النداء قلبك ، فارتعدت
فرائصك ، واضطربت جوارحك ، وأنت تسير في ذل وانكسار ، لتقف بين يدي العزيز
الغفار ، والملك القهار .
إن كنت من المؤمنين الصادقين فربك رب
العالمين منه حتى يضع رب العزة عليه كنفه . والكنف في اللغة : الستر
والرحمة ويقرره بذنوبه فيقول الرب للمؤمن : عبدي قد فعلت كذا قلنا يوم كذا
وكذا فصحيفتك لا تخفي شيئا فكم من بلية ، قد كنت أخفيتها ، أظهرها الله لك
وأبداها ، وكم من معصية قد كنت نسيتها ، ذكرك الله إياها {عِندَ رَبِّي فِي
كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه/52] {فَمَن يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة/8،7].
يذكرك الله بكل شيء فيقول الرب
للعبد المؤمن : قد فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول المؤمن : ربي أعرف ،
ربي أعرف ، فيقول الحق - جل جلاله : لكنني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها
لك اليوم (1) ...
فيعطيه صحيفة حسناته ويقال له : اذهب إلى الجنة
فينطلق وكتابه بيمينه ، وقد فاز فوزاً لا خسران بعده ، وسعد سعادة لا شقاء
بعدها أبداً انطلق لإخوانه لأقرانه من أهل الإيمان ، انظروا شاركوني الفرحة
والسعادة هذا كتابي بيميني {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ
حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ
عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا
أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة/19-24] .
أما
إن كانت الأخرى – أعاذنا الله وإياكم من الأخرى – يعطيه الله كتابه بشماله
ويقال: انطلق إلى أين ؟ إلى أمك الهاوية {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ{10}
نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة/11،10] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ
أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا
أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ
فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ
ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34}
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ
غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ } [ الحاقة/25-37].
روى
البخاري ومسلم من حديث عائشة، أن النبي r قال: ((من نوقش الحساب يوم
القيامة عُذّب)) . قالت عائشة: يا رسول الله أليس الله يقول: {فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ{7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً
يَسِيراً} [الانشقاق/8،7] ؟ قال: ((ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض فمن نوقش
الحساب يوم القيامة عذب )) ([9]).
وسط هذا الهول ينادي الله تبارك
وتعالى على طائفة من أمة الحبيب المصطفي r لتنطلق مباشرة إلى الجنة من غير
حساب ، ولا عذاب – اللهم اجعلنا منهم يارب .
روى البخاري ومسلم من
حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (( يدخل الجنة
من أمتي يوم القيامة زمرة تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر([10]) هؤلاء
إلى الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب)) .
روى البخاري ومسلم من حديث
ابن عباس قال r: ((عرضت عليّ الأمم – أي ليلة المعراج كما في رواية للترمذي
بسند حسن ((عرضت عليّ الأمم – فرأيت النبي ومعه الرهط ورأيت النبي ومعه
الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد وبينا أنا كذلك إذا رفع لي سواد
عظيم)) أي: رأى النبي r سواداً عظيماً في طريقه إلى الجنة فظننت أنهم أمتي
فقيل لي: هذا موسى وقومه – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وهذه كرامة
لنبي الله موسى ((هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد
عظيم وقيل لي: انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم وقيل لي : هذه أمتك
ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))(1) .
زائر- زائر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 26, 2023 4:51 pm من طرف guerna noureddine
» حضارات ماقبل التاريخ
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:36 pm من طرف بن عامر لخضر
» واد سوف على مر الزمان ثاني اكبر معلم تاريخي فالجزائر
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:34 pm من طرف بن عامر لخضر
» من أقطابنا لبرج الغدير : زاوية سيدي احسن بلدية غيلاسة دائرة برج الغدير
الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 6:38 pm من طرف بن عامر لخضر
» انتشار الامازيغ
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:40 am من طرف بن عامر لخضر
» من اقطابنا لبرج الغدير: رحلة في ذكرى 8ماي1945( بئر ميشوبأولاد سي احمد )
السبت أكتوبر 21, 2017 5:56 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 1:09 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 12:57 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : معلم أثري يكاد يندثر ( الضريح الروماني ببرج الشميسة )
الإثنين أكتوبر 02, 2017 6:42 am من طرف بن عامر لخضر
» مجموعة أطروحات دكتوراه دولة في الإقتصاد.
الجمعة مارس 31, 2017 9:25 pm من طرف yacine ha
» بعض من مؤلفات الدكتور محمد الصغير غانم
الثلاثاء مارس 21, 2017 8:42 am من طرف cherifa cherifa
» ربح المال مجانا من الانترنت
السبت فبراير 25, 2017 9:15 am من طرف mounir moon
» موسوعة كتب الطبخ
الجمعة فبراير 24, 2017 4:43 pm من طرف mounir moon
» cours 3eme année vétérinaire
الجمعة فبراير 24, 2017 4:38 pm من طرف mounir moon
» اين انتم
الإثنين فبراير 13, 2017 2:47 pm من طرف guerna noureddine