النظم وعلاقته بالمعاني النحوية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النظم وعلاقته بالمعاني النحوية
النظم وعلاقته بالمعاني النحوية*
قدم عبد القاهر لقارىء كتابة (دلائل الاعجاز) تعريفاً بسيطاً موجزاً, ليضمن استمرار صحبته فيما سيعود إليه من تفصيل فيما بعد, فعرّف في أول كتابه (الدلائل) النظم بأنه: (تعليق الكلم بعضها ببعض, وجعل بعضها سببا لبعض).
ثم يذكر أقسام الكلام : اسم، وفعل، وحرف، والتعليق فيما بينها يكون بتعليق اسم باسم، أو اسـم بفعل, وتعليق حرف بهما، وبعد أن ضرب الأمثلة على التعليق أتبع ذلك بأوسع صورة لديه وأوضحها عـن نظرية النظم بأن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه (علم النحو), وتعمل على قوانينه وأصول.
ولقد هاجم عبد القاهر النظرة الخاطئة لعلم النحو هجوماً عنيفاً, الذين نظروا الى النحو على أنه ضـرب من التكلف و التعسف، بحيث لا يعتمد فيه على عقل, فصغّروا من شأنه,وهم بذلك أبعد ما يكون عن كتاب الله وعن معرفته معانيه، فكانت نظرتهم إلى البـيان والبلاغة، نظرة تنم عن ضيق أفق، شكلية الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضيم بالبلاغة، وعلى هذا فقواعد النحو لم تعد لدى الجرجاني جافة مقصورة علـى الأعراب، وأنما أصبحت مقياسا يهتدى به في البراعة، ووسيلة من وسائل التصوير والصياغة، ومـدار أمر النظم ـ كما يقرر عبد القادر ويكرر ـ على معاني النحو، وعلى الوجوه التي من شأنها أن تكون.
واللفظة المفردة ليس لها قيمة من حيث هي مفردة، وانما تأخذ قيمتها عندما تُضم طائفة من الالفاظ بعضها الى بعض، فقيمة اللفظة إذن معدومة حتى توضع في السياق، وهذه إضافة جديدة من عبد القاهر لمفهوم اللفظ ودلالته، فالسياق عنده هو الذي يعطي اللفظة قيمتها المستحقة من خلال ما تحتويه هـذه القيمة من اشعاعات ذهنية وشعورية. ففي قوله تعالى : {وفجرنا الأرض عيونا}، وهي صورة تفجر العيون جميعا مرة واحدة، والماء يفور من كل مكان، وتفجر المياه في تلك اللحظة لم يتوصل إليها عبد القادر كصورة فنية، بل توصل إليها سيد قطب في العصر الحديث.
لقد آمن عبد القاهر بقيمة اللفظة عندما تؤدي معناها في النظم، وعبد القاهر لا يقصد أن ترتيب المعاني في استقلال عن اللفظ، فالمعاني لا تترتب ثم تأتي مرحلة التعبير عنها لاحقاً، بل إن هذه العملية تسير في وقت واحد، وهو بذلك لا ينظر إلى الأصوات المكونة للفظة؛ فاللفظة في خدمة الموقف الذي يثار, وعـن طريق تغيّر المعاني تكون الألفاظ هي وسيلة رمزية وليس هدفاً في ذاتها.
فالالفاظ تترتب مع الافكار في الذهن والنطق معاً, ولذلك فإن اللفظ والمعنى يولدان في اللحظة، وهكـذا نجد أن فكرة النظم هي الوسيلةالوحيدة للقضاء على ثنائية اللفظة المعنى، تلك الثنائية التي خرقت مفـهوم الخلق الفني التي لا تتجسد في صورة شعرية لتخرج على شكل ابداع.
إن العُمد التي يقوم عليها النظم، وبها تتم الصياغة في الجمل، كي تجلو الصورة الأدبية وتكشف عنها وهي: الاستعارة، والتشبيه، والكناية، والمتتمات المعنوية، واللفظية الجارية مع السياق.
فالاستعارة مثلاً وهي من العمد الأساسية التي يقوم النظم عليها، تتكون أصلاً من صفة اللفظ الظاهر, وكذلك فان مجال التشبيه عقد صلة بين أمرين، وأدراك هذه الصلة يكون من شأن العقل، فربط الجمال بشيء آخر في التشبيه ينشأ من العلاقة الوثيقة بين هذين الامرين أو من ضعف هذه الصلة، فكلما اشتدت وثائق الصلة كان حظ التشبيه من الجمال وافراً، والأمر كذلك في الكناية فهي تعود إلى المعنى لا إلى اللفظ، لأن حقيقتها أن تثبت معنى تصل إليه عن العقل دون اللفظ، فهذه العُمد هي للمشاركة بين المتفنن والمتلقي على حد سواء.
ويستشهد عبد القاهر بالرسول عليه الصلاة والسلام في قول الشعر العفيف، المؤدي الى بناء مجتمـع وتأسيس فضيلة، ويورد قول الرسول (إنّ من الشعر لحكمة )، وهو رد على من زهّد في قول الشــعر، ثم يورد قول الرسول الكريم في السجع المحبب الذي تقبله الطباع، ومن ذلك قوله أيها الناس افشوا السلام واطعموا الطعام, وصلوا الارحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
بقلم: أحمد الصانع
----------------------------
* أول مائة صفحة من كتاب دلائل الأعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني، تحقيق الأستاذ محمود شاكر، مطبعة المدني/القاهرة، دار المدني/جدة، ط3، 1413هـ 1992م.
قدم عبد القاهر لقارىء كتابة (دلائل الاعجاز) تعريفاً بسيطاً موجزاً, ليضمن استمرار صحبته فيما سيعود إليه من تفصيل فيما بعد, فعرّف في أول كتابه (الدلائل) النظم بأنه: (تعليق الكلم بعضها ببعض, وجعل بعضها سببا لبعض).
ثم يذكر أقسام الكلام : اسم، وفعل، وحرف، والتعليق فيما بينها يكون بتعليق اسم باسم، أو اسـم بفعل, وتعليق حرف بهما، وبعد أن ضرب الأمثلة على التعليق أتبع ذلك بأوسع صورة لديه وأوضحها عـن نظرية النظم بأن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه (علم النحو), وتعمل على قوانينه وأصول.
ولقد هاجم عبد القاهر النظرة الخاطئة لعلم النحو هجوماً عنيفاً, الذين نظروا الى النحو على أنه ضـرب من التكلف و التعسف، بحيث لا يعتمد فيه على عقل, فصغّروا من شأنه,وهم بذلك أبعد ما يكون عن كتاب الله وعن معرفته معانيه، فكانت نظرتهم إلى البـيان والبلاغة، نظرة تنم عن ضيق أفق، شكلية الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضيم بالبلاغة، وعلى هذا فقواعد النحو لم تعد لدى الجرجاني جافة مقصورة علـى الأعراب، وأنما أصبحت مقياسا يهتدى به في البراعة، ووسيلة من وسائل التصوير والصياغة، ومـدار أمر النظم ـ كما يقرر عبد القادر ويكرر ـ على معاني النحو، وعلى الوجوه التي من شأنها أن تكون.
واللفظة المفردة ليس لها قيمة من حيث هي مفردة، وانما تأخذ قيمتها عندما تُضم طائفة من الالفاظ بعضها الى بعض، فقيمة اللفظة إذن معدومة حتى توضع في السياق، وهذه إضافة جديدة من عبد القاهر لمفهوم اللفظ ودلالته، فالسياق عنده هو الذي يعطي اللفظة قيمتها المستحقة من خلال ما تحتويه هـذه القيمة من اشعاعات ذهنية وشعورية. ففي قوله تعالى : {وفجرنا الأرض عيونا}، وهي صورة تفجر العيون جميعا مرة واحدة، والماء يفور من كل مكان، وتفجر المياه في تلك اللحظة لم يتوصل إليها عبد القادر كصورة فنية، بل توصل إليها سيد قطب في العصر الحديث.
لقد آمن عبد القاهر بقيمة اللفظة عندما تؤدي معناها في النظم، وعبد القاهر لا يقصد أن ترتيب المعاني في استقلال عن اللفظ، فالمعاني لا تترتب ثم تأتي مرحلة التعبير عنها لاحقاً، بل إن هذه العملية تسير في وقت واحد، وهو بذلك لا ينظر إلى الأصوات المكونة للفظة؛ فاللفظة في خدمة الموقف الذي يثار, وعـن طريق تغيّر المعاني تكون الألفاظ هي وسيلة رمزية وليس هدفاً في ذاتها.
فالالفاظ تترتب مع الافكار في الذهن والنطق معاً, ولذلك فإن اللفظ والمعنى يولدان في اللحظة، وهكـذا نجد أن فكرة النظم هي الوسيلةالوحيدة للقضاء على ثنائية اللفظة المعنى، تلك الثنائية التي خرقت مفـهوم الخلق الفني التي لا تتجسد في صورة شعرية لتخرج على شكل ابداع.
إن العُمد التي يقوم عليها النظم، وبها تتم الصياغة في الجمل، كي تجلو الصورة الأدبية وتكشف عنها وهي: الاستعارة، والتشبيه، والكناية، والمتتمات المعنوية، واللفظية الجارية مع السياق.
فالاستعارة مثلاً وهي من العمد الأساسية التي يقوم النظم عليها، تتكون أصلاً من صفة اللفظ الظاهر, وكذلك فان مجال التشبيه عقد صلة بين أمرين، وأدراك هذه الصلة يكون من شأن العقل، فربط الجمال بشيء آخر في التشبيه ينشأ من العلاقة الوثيقة بين هذين الامرين أو من ضعف هذه الصلة، فكلما اشتدت وثائق الصلة كان حظ التشبيه من الجمال وافراً، والأمر كذلك في الكناية فهي تعود إلى المعنى لا إلى اللفظ، لأن حقيقتها أن تثبت معنى تصل إليه عن العقل دون اللفظ، فهذه العُمد هي للمشاركة بين المتفنن والمتلقي على حد سواء.
ويستشهد عبد القاهر بالرسول عليه الصلاة والسلام في قول الشعر العفيف، المؤدي الى بناء مجتمـع وتأسيس فضيلة، ويورد قول الرسول (إنّ من الشعر لحكمة )، وهو رد على من زهّد في قول الشــعر، ثم يورد قول الرسول الكريم في السجع المحبب الذي تقبله الطباع، ومن ذلك قوله أيها الناس افشوا السلام واطعموا الطعام, وصلوا الارحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
بقلم: أحمد الصانع
----------------------------
* أول مائة صفحة من كتاب دلائل الأعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني، تحقيق الأستاذ محمود شاكر، مطبعة المدني/القاهرة، دار المدني/جدة، ط3، 1413هـ 1992م.
مؤمنة بالله- مشرفة
-
رسالة sms : في أمان الله
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1462
نقاط التميز : 17063
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
رد: النظم وعلاقته بالمعاني النحوية
نونو الباتني كتب:بارك الله فيك مومنة
آمين يا رب ، و فيك بارك الله و جزاك الجنة
شكراااا على المرور
مؤمنة بالله- مشرفة
-
رسالة sms : في أمان الله
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1462
نقاط التميز : 17063
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
رد: النظم وعلاقته بالمعاني النحوية
يعطيييييك العافية
الجزائر الحبيبة- مشرف
-
رسالة sms : قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم و على آل سينا ابراهيم في العالمين ، و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم و على آل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ....
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 809
نقاط التميز : 16620
تاريخ التسجيل : 25/02/2011
مواضيع مماثلة
» الدروس النحوية في شرح الألفية
» ترتيب الكلم وفق نظرية النظم*
» النظم السياسية في العالم المعاصر
» محاضرات القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة
» مجموعة محاضرات للسنة أولى حقوق في مادة تاريخ النظم
» ترتيب الكلم وفق نظرية النظم*
» النظم السياسية في العالم المعاصر
» محاضرات القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة
» مجموعة محاضرات للسنة أولى حقوق في مادة تاريخ النظم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 26, 2023 4:51 pm من طرف guerna noureddine
» حضارات ماقبل التاريخ
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:36 pm من طرف بن عامر لخضر
» واد سوف على مر الزمان ثاني اكبر معلم تاريخي فالجزائر
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:34 pm من طرف بن عامر لخضر
» من أقطابنا لبرج الغدير : زاوية سيدي احسن بلدية غيلاسة دائرة برج الغدير
الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 6:38 pm من طرف بن عامر لخضر
» انتشار الامازيغ
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:40 am من طرف بن عامر لخضر
» من اقطابنا لبرج الغدير: رحلة في ذكرى 8ماي1945( بئر ميشوبأولاد سي احمد )
السبت أكتوبر 21, 2017 5:56 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 1:09 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 12:57 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : معلم أثري يكاد يندثر ( الضريح الروماني ببرج الشميسة )
الإثنين أكتوبر 02, 2017 6:42 am من طرف بن عامر لخضر
» مجموعة أطروحات دكتوراه دولة في الإقتصاد.
الجمعة مارس 31, 2017 9:25 pm من طرف yacine ha
» بعض من مؤلفات الدكتور محمد الصغير غانم
الثلاثاء مارس 21, 2017 8:42 am من طرف cherifa cherifa
» ربح المال مجانا من الانترنت
السبت فبراير 25, 2017 9:15 am من طرف mounir moon
» موسوعة كتب الطبخ
الجمعة فبراير 24, 2017 4:43 pm من طرف mounir moon
» cours 3eme année vétérinaire
الجمعة فبراير 24, 2017 4:38 pm من طرف mounir moon
» اين انتم
الإثنين فبراير 13, 2017 2:47 pm من طرف guerna noureddine