العولمة السياسية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العولمة السياسية
العولمة السياسية
د. محمد أحمد السامرائي
يثير مفهوم "العولمة" الكثير من النقاش والجدل، ابتداءً من
التعريف بالمفهوم مروراً بتحديد أبعاد العولمة ومظاهرها وطبيعة القوى الفاعلة
المحركة لها، إضافة إلى رصد وتحليل تأثراتها على الدول والمجتمعات وبخاصة دول
العالم الثالث.
برزت "العولمة" بشكل واضح خلال عقد التسعينات لكنها سرعان
ماتحولت إلى قوة من القوى المؤثرة في الحقائق والوقائع الحياتية المعاصرة، وقد
ساعدها في ذلك تفكك الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى وانهيارا لأحزاب الشيوعية في دول
أوروبا الشرقية.
و"العولمة" هي أيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة عن إرادة
الهيمنة على العالم وأمركته، وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في استعمال السوق
العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية في نظمها وبرامجها الخاصة
بالحماية الاجتماعية، وكذلك في إعطاء كل الأهمية والأولوية للإعلام لإحداث
التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.
يهدف هذا البحث إلى الكشف عن أحد مفاهيم العولمة وهي "العولمة
السياسية" وبيان مخاطرها على الوطن العربي. فقد تناول البحث تحليل العديد من
الظواهر المرتبطة بهذا المفهوم والكشف عن الوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة
الأمريكية لتحقيق أهدافها وهيمنتها على العالم، والتي تمثلت في استخدام مفاهيم
"العولمة وسيادة الدولة"، و"العولمة وظاهرة الهيمنة"
و"العولمة والهوية الثقافية والحضارية".
ولما كانت "العولمة" هي نمط سياسي اقتصادي ثقافي لنموذج
غربي متطور خرج بتجربته عن حدوده لعولمة الآخر، فهي تشكل أيضاً تحديات خطرة تهدد
الوطن العربي والعالم الثالث. إلا أن هذه المخاطر تتفاوت بين المخاطر السياسية
والثقافية والاقتصادية، وترتبط المخاطر السياسية بمحاولات الولايات المتحدة لأمركة
العالم، والاستفراد بالشأن العالمي وإدارته إدارة أحادية بما يتناسب مع مصالحها
وغاياتها، مما يستوجب وضع استراتيجية عربية لمواجهة هذه التحديات وهذا ما سيتناوله
البحث أيضاً...
الأبعاد
الفكرية للعولمة :
لم تكن
محاولة فرانشيس فاكوياما في كتابه نهاية التاريخ 1989) إلا محاولة لصياغة وعي كوني
زائف الغرض منه إثبات أن الرأسمالية ستكون هي ديانة إنسانية إلى أبد الآبدين(1) .
فهو يشخص المرحلة الراهنة في التاريخ وكأنها مرحلة انتصار نهائي للنموذج السياسي
والفكري الليبرالي.
ثم تبعه مقال اليهودي الأمريكي "صامويل هانتنغتون" ـ
"صدام الحضارات" في صيف 1993، في فصله "فورين أفيرز" معلناً
دخول "السياسة على نطاق العالم كله مرحلة جديدة"، وهو يفترض حتمية تصادم
الحضارات إذ يقول" سوف يتمحور الانقسام الأساسي داخل المجموعة البشرية حول
العوامل الثقافية التي ستصبح المصدر الرئيسي للصدام.. إن صدام الحضارات هو الذي سيحتل
مركز الصدارة في السياسة العالمية"(2) . فنظرية هنتنغتون تصر بقوة وإلحاح على
أن الحضارات غير الغربية لابد أن تصطدم بالغرب، ويعني ذلك استمرار وتوسيع نطاق
الحرب الباردة بوسائل جديدة(3) .
ومن الجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي
قد طرح من قبل كتاب أمريكان في السبعينات وبالتحديد من كتاب "ماك لولهان
وكينتين فيور"، حول "الحرب والسلام في القرية الكونية"، وكتاب
"بريجسكي" بعنوان "بين عصرين: دور أمريكا في العصر
الإلكتروني"، وقد طرح هذا المصطلح بعد تقدم وسائل الاتصالات الهاتفية بين
الدول، وجاءت شبكات الانترنيت بوساطة الكومبيوتر لتضيف مبرراً آخر لتعزيز فكرة
"العولمة"(4) .
كما طرحت مقولات أخرى لتشخيص واقع هذه المرحلة تمثلت في كتاب
"صعود وهبوط الامبراطوريات"، "لبول كينيدي"، الذي توقع انهيار
الاتحاد السوفييتي، وتنبأ أيضاً باحتمال تراجع هيمنة الولايات المتحدة على الشأن
العالمي في المستقبل، إذا ظل الإنفاق العسكري الأمريكي على مستوياته العالمية،
والتي لا تتناسب مع نصيبها من الإنتاج الإجمالي، ثم كتاب "العولمة"
"لرونالد ربرتسون"، الذي أكد على أن "العولمة هي: تطور نوعي جديد
في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر انكماشاً"، ويضاف
إليها أيضاً كتاب "معضلة العولمة" "لجون بسبيت" الذي يتحدث
بالتفصيل عن القوى التكنولوجية والتكتلات الاقتصادية الجديدة التي ستلعب الدور
الحاسم في تشكيل البشرية خلال القرن المقبل، وكتاب "الموجة الثالثة"،
"لالفين توفللر"، وكتاب "صدمة المستقبل"، وكتاب "تحولات
القوة"، التي أسهمت في تحديد سمات هذه المرحلة الراهنة من العالم...
ومن الطبيعي أن يتفاوت فهم الأفراد للعولمة ومضامينها المختلفة، فلا
يمكن حصر وتحديد العولمة في تعريف واحد مهما اتصف هذا التعريف بالشمول والدقة، فالاقتصادي
الذي يركز على المستجدات الاقتصادية العالمية وطبيعة المرحلة الراهنة من التراكم
الرأسمالي على الصعيد العالمي، يتهم العولمة بخلاف عالم السياسة الذي يبحث عن
تأثير التطورات العالمية والتكنولوجية المعاصرة على الدولة ودورها في عالم يزداد
انكماشاً يوماً بعد يوم. كما أن عالم الاجتماع يرصد بروز القضايا العالمية
المعاصرة، كقضايا الانفجار السكاني والبيئة والفقر و المخدرات وازدحام المدن
والإرهاب بالإضافة إلى بروز المجتمع المدني على الصعيد العالمي يفهم العولمة بخلاف
المهتم بالشأن الثقافي الذي يهمه ما يحدث من انفتاح للثقافات والحضارات وترابطها
مع بعضها بعضاً، واحتمالات هيمنة الثقافة الاستهلاكية وتهديدها للقيم والقناعات
المحلية.
لذا أصبح من الضروري التمييز بين "العولمة" الاقتصادية
و"العولمة" الثقافية و"العولمة" العلمية و"العولمة"
الاجتماعية، فلا توجد عولمة واحدة(6) .
وبهدف الإلمام ببعض المفاهيم ووجهات النظر حول مفهوم
"العولمة" لا بدمن الأخذ ببعض التعريفات المهمة لها(7) : فقد عرفها
"رونالد روبرتسون"، بأنها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي
الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش. في حين يؤكد "فانتوني جيدنز" بأن
العولمة هي "مرحلة من مراحل بروز وتطور الحداثة، وتتكثف فيه العلاقات
الاجتماعية على الصعيد العالمي. فبينما يعرف "مالكوم واترز"، مؤلف كتاب
"العولمة" بأن "العولمة" هي: كل المستجدات والتطورات التي
تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم، في مجتمع عالمي واحد"، أما
"كينشي اوهماي" فيعرف "العولمة" بأنها: "ترتبط شرطاً بكل
المستجدات وخصوصاً المستجدات الاقتصادية التي تدفع في اتجاه تراجع حاد في الحدود
الجغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية القائمة حالياً.
ومع أنني أتفق مع القائل( : إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو
مسألة شاقة نظراً إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساساً بانحيازات الباحثين
الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء "العولمة" رفضاً أو قبولاً، فضلاً عن أن
العولمة ظاهرة غير مكتملة الملامح كونها عملية مستمرة تكشف كل يوم عن وجه من
وجوهها المتعددة. وأياً كان الأمر فيمكن القول إن جوهر عملية "العولمة"
يتمثل في : سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني.
وطالما أصدرت الدعوة إلى "العولمة" من الولايات المتحدة فإن الأمر يتعلق
بالدعوة إلى توسيع النموذج الأمريكي وفسح المجال له ليشمل العالم كله. وهذا ما
يجعل مفكراً مثل "ريجيس دوبريه"، يرى أن "العولمة" التي تتم
الدعوة إليها اليوم "عولمة زائفة"، فالحيز المطروحة فيه أمريكي، والنمط
السياسي والثقافي هو نمط الحياة الأمريكية والفكر الأمريكي(9) .
وكأنما يراد من "العولمة" "رسملة العالم غير
الرأسمالي"(10) .
يتضح لنا أن جميع الفئات التي تندرج في إطار محاولات تعريف
"العولمة" المتمثلة في:"العولمة باعتبارها حقبة تاريخية،
و"العولمة" باعتبارها تجليات لظواهر اقتصادية، و"العولمة"
باعتبارها انتصاراً للقيم الأمريكية، و"العولمة" باعتبارها قوة اجتماعية
وتكنولوجية".
كل هذه التعريفات تكاد أن تكوّن المكونات الأساسية لتعريف واحد جامع
للعولمة.
وإذا كانت الدولة القومية قد حلت محل الإقطاعية منذ نحو خمسة قرون
تحل الشركات المتعددة الجنسيات محل الدولة، والسبب في الحالتين واحد: التقدم
التقني وزيادة الإنتاجية والحاجة إلى أسواق أوسع. فلم تعد حدود الدولة القومية هي
حدود السوق الجديدة بل أصبح العالم كله مجال التسويق: ولتحقيق ذلك كانت الشركات
تنشر أفكاراً تساعد على تحطيم موضوع الولاء القديم وهو الوطن والأمة وإحلال ولاءات
جديدة محله وأفكار من نوع " نهاية الإيديولوجيا"، و"نهاية التاريخ"
و"القرية العالمية"، و"الاعتماد المتبادل"... الخ مما يصطلح
استخدامه مع جميع الأمم(11) . كما أنها تستعين مع تحقيق أهدافها بالمؤسسات المالية
الدولية وأجهزة المخابرات في الدول الكبرى ومختلف وسائل التأثير في الرأي
العام(12) .
لقد أدخلت تطورات "العولمة" العالم في تفاعلات ومواجهات لم
يعرفها من قبل بسبب: إسقاطها المستمر لحدود الزمان والمكان.
فهي تهدد الجغرافية وحدود الدولة السياسية، وكل هذه المظاهر كانت
تَعنِيْ سابقاً السيادة الوطنية، والأمن بمعناها السياسي والعسكري والنفسي(13) .
الأبعاد
السياسية للعولمة:
تعد
السياسة من أبرز اختصاصات الدولة القومية التي تحرص على عدم التفريط بها ضمن
نطاقها الجغرافي ومجالها الوطني. وهذا الحرص ضِمن المجال المحلي، وبعيد عن
التدخلات الخارجية ترتبط أشد الارتباط؛ بمفهوم السيادة وممارسة الدولة لصلاحياتها
وسلطاتها على شعبها وأرضها وثرواتها الطبيعية.
والدولة القومية هي نَقيض العولمة، كما أن السياسة ونتيجة لطبيعتها
ستكون من أكثر الأبعاد الحياتية مقاومة للعولمة التي تتضمن انكماش العالم وإلغاء
الحدود الجغرافية وربط الاقتصادات والثقافات والمجتمعات والأفراد بروابط تتخطى
الدول وتتجاوز سيطرتها التقليدية على مجالها الوطني والمحلِّي(14) .
إن الدولة التي كانت دائماً الوحدة الارتكازية لكل النشاطات
والقرارات والتشريعات أصبحت الآن وكما يوضح "ريتشارد فويك"، مجرد وحدة
ضمن شبكة من العلاقات والوحدات الكثيرة في عالم يزداد انكماشاً وترابطاً(15) .
فالقرارات التي تتخذ في عاصمة من العواصم العالمية سرعان ما تنتشر انتشاراً سريعاً
إلى كل العواصم، والتشريعات التي تخص دولة من الدول تستحوذ مباشرة على اهتمام
العالم بأسره، والسياسات التي تستهدف قطاعات اجتماعية في مجتمع من المجتمعات تؤثر
تأثيراً حاسماً في السياسات الداخلية والخارجية لكل المجتمعات القريبة والبعيدة.
ترتبط "العولمة السياسية ببروز مجموعة من القوى العالمية
والإقليمية و المحلية الجديدة خلال عقد التسعينات، والتي أخذت تنافس الدول في
المجال السياسي، ومن أبرز هذه القوى التكتلات التجارية الإقليمية كالسوق الأوروبية
المشتركة لتشكل وحدة نقدية تعمل من خلال المصرف المركزي الأوروبي الذي أنشئ عام
1999 ليشرف على عملة اليورو.
إن النموذج الاندماجي الأوروبي يقوم أساساً على تخلي الدول الأوروبية
الطوعي عن بعض من مظاهر السيادة لصالح كيان إقليمي يتجه نحو الوحدة الاقتصادية،
وربما لاحقاً الوحدة السياسية من خلال بروز الولايات المتحدة الأوروبية التي تتمتع
بسياسة خارجية ودفاعية واحدة لتصبح قوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية خلال
القرن القادم(16) .
مع السياق الاقتصادي هناك المؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية
العالمية، وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية، والتي تأسست عام 1996، لتشرف
إشرافاً كاملاً على النشاط التجاري العالمي. كما يشرف صندوق النقد الدولي على
النظام المالي العالمي.
لقد أصبحت هذه المؤسسات التجارية والمالية من الضخامة والقوة، حيث
أنها أصبحت قادرة على فرز قراراتها وتوجيهاتها على كل دول العالم. كذلك هناك
الشركات العابرة للحدود التي شكلت نتيجة للتحالفات عابرة القارات بين الشركات
الصناعية والمالية والخدماتية العلاقة في كل من أوروبا وأمريكا واليابان.(17) .
إن ما تقوم به هذه الشركات هو إعادة رسم الخارطة الاقتصادية العالمية
وزيادة سيطرتها وتحكمها في الأسواق العالمية وتوجيه سياساتها خلال القرن القادم.
وفي الجانب الاجتماعي فقد برزت في الآونة الأخيرة المنظمات الأهلية
غير الحكومية على الساحة السياسية العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة في المؤتمرات
العالمية كمؤتمر "قمة الأرض"، في ريودي جانيرو، و"مؤتمر
السكان"، في القاهرة، ومؤتمر "المرأة" في بكين، و"مؤتمر حقوق
الإنسان" في فينا، وتأتي في مقدمة هذه المنظمات غير الحكومية منظمات البيئة
"كمنظمة السلام الخضر"، و"منظمات حقوق الإنسان" كمنظمة
"العفو الدولية"، والمنظمات النسائية كمنظمة "أخوات حول
العالم". جميع هذه المنظمات أخذت تعمل باستقلال تام عن الدول التي لم تعد
قادرة على التحكم في نشاط وعمل هذه المنظمات(18) .
ومع أن هذا التطور الذي يصب في سياق بروز الحكم العالمي، والذي يتضمن
بروز شبكة من المؤسسات العالمية المترابطة التي تضم الدول والمنظمات غير الحكومية
والشركات العابرة للقارات، والهيئات الدولية، كالأمم المتحدة يستثمرها البعض
ليعدها خطوة في الطريق المستقبلي نحو قيام الحكومة العالمية الواحدة والتي هي
الهدف النهائي للعولمة السياسية. في حين، أن ما يجري يمثل موقف تلك الدول بكل
سيادتها واستقلالها باتجاه التعاون في تناول قضايا مهمة تخص المجتمع الدولي وتعمل
سوية من أجل حلها. لقد أفرز الوضع الدولي الجديد عدة مفاهيم وتطورات من منظور
عملية العولمة السياسية نذكر أبرزها(19) :
1. توسع دور الولايات المتحدة
الأمريكية على الصعيد العالمي، مما حدا بالبعض إلى اعتبار العولمة مرادفاً للأمركة
بمعنى سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقاً
لمصالحها وتوجهاتها وأنماط القيم السائدة فيها.
2. إن القوة الاقتصادية والمالية التي
تمثلها الشركات متعددة الجنسيات خاصة مع اتجاه بعضها نحو الاندماج والتكتل في
كيانات أكبر، إنما تسمح لها بممارسة المزيد من الضغط على الحكومات وبخاصة في
العالم الثالث، والتأثير على سياساتها وقراراتها السيادية، وليس بجديد القول إن
رأسمال شركة واحدة من الشركات العالمية العملاقة يفوق إجمالي الدخل القومي لعشر أو
خمس عشرة دولة إفريقية مجتمعة، وهو ما يجعل هذه الكيانات في وضع أقوى من الدول.
وعلى الرغم من القيود التي تفرضها العولمة على الدول القومية والتي
تحد من قدرتها على ممارسة سيادتها بالمعنى التقليدي، وعلى الرغم من أن الدولة لم
تعد هي الفاعل الوحيد أو الأقوى في النظام العالمي، إلا أنه لا يوجد ما يدل على أن
هذه التحولات ستؤدي إلى إلغاء دور الدولة أو خلق بديل لها، حيث سيبقى للدولة دور
مهم في بعض المجالات وبخاصة في بلدان العالم الثالث.
3. إن الدول الصناعية الغربية وبعض
دول العالم الثالث المصنعة حديثاً اتجهت نحو إقامة وتدعيم التكتلات الاقتصادية
الإقليمية كجزء من استراتيجيتها لتتكيف مع عصر العولمة. كما هو الحال في التطورات
التي لحقت بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية، وكذلك ببادرة الولايات المتحدة
الأمريكية بتأسيس "النافاتا" التي تضم إلى جانبها كل من كندا والمكسيك.
كما حرصت دول جنوب شرق آسيا على تدعيم علاقاتها من خلال رابطة
"الاسيان". وإذا كان تعزيز التكتل الاقتصادي الإقليمي يمثل آلية مهمة
لتمكين الدول الأعضاء في تلك التكتلات من تعظيم فرص وإمكانيات استفادتها من
إيجابيات عملية العولمة، وتقليص ما يمكن أن تتركه عليها من سلبيات، فإن الكثير من
مناطق العالم الثالث تعاني من ضعف وهشاشة أطر وهياكل التكتل والتكامل الإقليمي بين
دولها.
4. على الرغم من زيادة اهتمام
الولايات المتحدة الأمريكية بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم على صعيد
الخطاب السياسي الرسمي وبعض الممارسات العملية إلا أن السياسة الأمريكية تتعامل مع
هذه القضية بنوع من البركماتية والانتهازية السياسية التي تتجلى أبرز صورها مع
المعايير المزدوجة التي تطبقها بهذا الخصوص، وعدم ترددها في التضحية بقيم
الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان في حالة تعارضها مع مصالحها الاقتصادية
والتجارية. وهكذا يتبين لنا أن أمريكا لا تتبنى قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان
كرسالة أخلاقية عالمية بل تتخذها كأداة لخدمة مصالحها وسياستها الخارجية.
5. إن القوة العظمى الوحيدة في عالم
مابعد الحرب الباردة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية تعمد إلى استخدام قواتها
ونفوذها لتوظيف الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك
الدوليين من أجل تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين بصفة عامة.
6. إن فرص وإمكانيات تحقيق المزيد من
الاستقرار في النظام العالمي في عصر العولمة تبدو بصفة عامة محدودة، فالتأثيرات
القائمة والمحتملة للعولمة على بلدان العالم الثالث وبخاصة فيما يتعلق بتهميش بعض
الدول، وتوسيع الهوة بين الشمال والجنوب واستمرار تفاقم بعض المشكلات التي يعاني
منها العالم الثالث. نظراً لذلك فإن بعض مناطق الجنوب ستبقى رهينة للحروب الداخلية
والإقليمية التي يمثل بعضها عناصر لعدم الاستقرار في النظام العالمي.
الوطن العربي
وتحديات العولمة:
بعد
عام 1945 كانت تجربة الغرب أو تجاربه توحي له بأن القضاء على النازية)، يعني نهاية
القومية. وفي عام 1992 كانت الإيديولوجيتان الغربيتان: الشيوعية والرأسمالية قد
رسختا الاعتقاد بأن عصر القوميات قد انتهى وأن التاريخ تجاوزهما، وأن الاشتراكية
الأممية والديمقراطية الغربية قد حلتا محلهما. كما فشل رهان النموذج الحضاري
الغربي). على نهاية "القومية" وكذلك على "الدين" لأن أفق
الغرب الحضاري بقي مغلقاً على ذاته، وعلى تجاربه فهو لم يعرف سوى النموذج المتسلط
من "القومية"، ومن "الأممية"، ولم يتمكن من تجاوز إطار مفهومه
المادي للحياة وللكون.(20) .
تبرز تحديات
العولمة السياسية للوطن العربي في الظواهر الآتية ذكرها:
أولاً:
العولمة وسيادة الدولة:
بعد
الحرب العالمية الثانية تجلت إرادة الشعوب في الحرية والتقدم من خلال تعبيرها عن
هويتها الوطنية والقومية والإنسانية وعن تطلعها الحضاري من خلال بلورة إيديولوجيات
قومية تحررية متصلة الجذور بتراثها وبآفاق هذا العصر.
وما أن بدأ تيار العولمة الجديد حتى بزغ نجم الشركات متعددة الجنسية،
فكأنما كان على الدول القومية في العالم الثالث أن ترخي قبضتها شيئاً فشيئاً على
الاقتصاد والمجتمع، ونظام التخطيط يتم إلغاؤه، والاشتراكية تصبح مضغة في الأفواه.
وقد زاد هذا الاتجاه تسارعاً بعد سقوط الكتلة الشرقية وانتهاء الحرب الباردة.
ولكن هذا التحول التام من سياسة إلى نقيضها يجب أن تقوم به الدولة
نفسها، إن عليها أن تقوم بتفكيك نفسها، وعليها أن تسلم مهامها ووظائفها القديمة
الواحدة بعد الأخرى لتتولاها الشركات الدولية العملاقة أو المؤسسات الدولية التي
تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة وتعمل لحسابها(21) .
ولقد أصاب من أطلق عليها اسم "الدولة الرخوة"، وهو للأسف
ينطبق على كثير من دول الوطن العربي.
إن تأثير العولمة على سيادة الدولة يتمثل في أن قدرات الدول تتناقص
تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق الأفكار
والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها. فالثورة الهائلة في مجالات الاتصال
والمعلومات والإعلام حدّت من أهمية حواجز الحدود والجغرافية. كما أن قدرة الدولة
سوف تتراجع إلى حد كبير خاصة في ظل وجود العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس
على الفضاء. كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري
والمعاملات المالية يحد أيضاً من قدرة الحكومات على ضبط هذه الأمور، مما سيكون له
تأثير بالطبع على سياساتها(22) المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم
المالية والاقتصادية.
ولقد وجدت الدولة الصهيونية في العولمة فرصتها، فهي تحاول أن تستثني
نفسها من هذه الميزة فهي تبدي السياسات العكسية تماماً. فالدولة الصهيونية طرحت
تصورها الخاص للعولمة وتحاول فرضه على الدول المحيطة بها وهو تصور "الشرق
أوسطية" فهذا المشروع الذي روج له الكيان الصهيوني هو عولمة مصغرة(23) .
فالعولمة إذن نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، العولمة تقوم على
الخوصصة، إي نزع ملكية الأمة والوطن والدولة ونقلها إلى الخواص في الداخل والخارج.
وهكذا تتحول الدول إلى جهاز لا يملك ولا يراقب ولا يوجه، وهذا سيحقق إيقاظ أطر
للانتماء سابق على الأمة والدولة هي القبيلة والطائفة والتعصب المذهبي... الخ.
والدفع بها إلى التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل، إلى تمزيق الهوية الثقافية
الوطنية والقومية... إلى الحرب الأهلية(24) .
ونظراً للقوة الاقتصادية والمالية التي تمثلها الشركات متعددة
الجنسية يجدر بنا في هذا المجال التذكير ببعض الآثار السياسية والأمنية لهذه
الشركات على الدول(25) .
1.
ممارستها للأدوار المختلفة التأثير على السياسات الوطنية للدولة المضيفة.
2.
إن هذه الشركات تمثل جزاء منها في عملية صنع السياسة الخارجية لدولها.
3.
تكرار التهديدات التي تمارسها حكومات هذه الشركات ضد الدول المضيفة والناجمة عن
عزم تلك الحكومات على تطبيق قوانينها الخاصة على هذه الشركات مما يعد تدخلاً في
الشؤون الداخلية للدول المضيفة.
4.
استهداف الأنظمة السياسية المناهضة لسياسات حكومات الشركات أو السعي إلى المحافظة
على أنظمة سياسية معينة وتثبيتها في السلطة.
وعلى الرغم من القيود التي تحاول العولمة فرضها على الدولة القومية
لتحد من قدرتها على ممارسة سيادتها بالمعنى التقليدي، وعلى الرغم من أن الدولة لم
تعد هي الفاعل الوحيد أو الأقوى في النظام العالمي، إلا أنه لا يوجد ما يدل على أن
هذه التحولات ستؤدي إلى إلغاء دور الدولة، أو خلق بديل لها حيث سيبقى للدولة دور
مهم في بعض المجالات وبخاصة في بلدان العالم الثالث.
ـ ثانياً:
العولمة: إيديولوجية الهيمنة:
يهدف
"النظام الدولي الجديد" الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية
للانفراد بالعالم والهيمنة عليه، إلى تحقيق جملة من الأهداف لها يمكن ذكرها على
النحو الآتي:
1. الضمان الأساسي للنفط في
"المنطقة" على مدى زمني قادم.
2. الضمان الأساسي لدولة
"المنطقة" الصغيرة والعمل على احتواء الدول الثقيلة المؤثرة فيها.
3. إدارة النظام الإقليمي القادم
للشرق الأوسط.
4. الطرف الأكثر قوة وهيمنة في ميزان
النفط.
5. الحصول على مكاسب جيو اقتصادية على
حساب غرب أوروبا واليابان.
6. التدخل في الشؤون الداخلية واختراق
السيادات الإقليمية.
7. ترتيب قضايا التسوية بين العرب
والكيان الصهيوني.
ولما كانت العولمة في بعد من أبعادها هي "هذا الطابع الذي يقوم
على التوسع والهيمنة". فإن مرحلة التسعينات تكشف لنا بوضوح وجلاء كلي عن
المخططات لإعادة سياسة التسلط والهيمنة السياسية والاقتصادية والحضارية، وللتقسيم
والتجزئة والتفتيت لتعطيل مشاريع التنمية القومية والتطور الاجتماعي، والتآمر على
وعي الأجيال لقضاياها الوطنية والقومية والإنسان، لتحقق من خلال ذلك عالم من دون
دولة ومن دون وطن ومن دون أمة، إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية الذي يجعل
من الفضاء والمعلوماتية الذي تضعه شبكات الاتصال وطناً له يسيطر
ويوجه الاقتصاد والسياسة والثقافة.(28) .
وجاء العدوان الأمريكي الأطلسي على العراق في مطلع عام 1991 ليكشف
لنا أن النهضات الوطنية في الوطن العربي سوف تتعرض أكثر من غيرها لعدوانية الغرب،
كما أن قيام الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي فلسطين) قد جدد ذكرى الصراع
القديم بين الغرب والعرب(29) .
كما تميزت
التفاعلات الدولية في منتصف عقد التسعينات باستمرار نمطين من التفاعلات(30) :
الأول
: إن التفاعلات العربية الدولية مصدرها الطرف الدولي حيث استقرت مكانة
"العرب" كطرف متلق لا يمتلك قدرات الحد الأدنى اللازمة لممارسة دور فاعل
على الصعيد العالمي.
الثاني : إن الوطن العربي ما زال أكثر الأقاليم في العالم تعرضاً
للاختراق الأمريكي على المستويات السياسية والاستراتيجية والثقافية. ويتضح ذلك من
متابعة دبلوماسية "عملية التسوية" الجارية للصراع العربي ـ الصهيوني،
ومحاولات تأسيس هيكل أمني في منطقة الخليج العربي.
إن العولمة تهدف إلى خلق أنماط جديدة من التبعية وتوسيع مجالاتها في
الوطن العربي، إضافة إلى أشكال التبعية الموجودة فيه والمتمثلة في المجالات
التالية(31) :
1. تبعية في مجال الاقتصاد وبشكل عام
تمثلت في مديونية رسمية للخارج وبخاصة للغرب ومؤسساته المالية.
2. تبعية غذائية تمثلت في انخفاض نسبة
الاكتفاء الذاتي العربي في تأمين الغذاء وتزايد نسبة الاعتماد على الخارج
لتأمينه.
3. تبعية أمنية ناجمة أساساً عن حالة
التمزق والتشرذم العربيين.
4. تبعية في حقل المياه تتمثل في
تهديد الأمن المائي العربي. هذه التبعيات متشابكة يؤثر بعضها في بعضها الآخر حيث
تنعكس سلباً على استقلالية القرار العربي.
ومع أن العولمة في بعض من معانيها كما ذكرنا "رسملة العالم غير
الرأسمالي"، أي محاولة نشر علاقات الإنتاج الرأسمالية في البلدان الخاضعة
للنظام الرأسمالي الدولي والتي لم تشهد قيام نمط للإنتاج الرأسمالي. فإن محاولة
الرسملة لن تنتج بالضرورة نظماً رأسمالية دائماً في الغالب سوف تنتج نظماً تابعة
للرأسمالية ومع الرسملة غربنة ومع الرسملة والغربنة أمركة.(32) .
ـ ثالثاً:
العولمة والهوية الثقافية و الحضارية:
تجاوز
مخطط التفتَيت للمجتمع العربي الأبعاد السياسية والجغرافية إلى الأبعاد الاجتماعية
والثقافية والفكرية والروحية. وتأتي العولمة لتحقيق هذه الأهداف، فهي عولمة حضارية
وهذه الحضارة بدورها تعبير ثقافة أمة معينة أو ثقافة مجموعة من الأمم على الرغم
مما تطلقه على نفسها من وصف "الإنسانية" و"العالمية"(33) .
فالواقع يؤكد بأنه ليس هناك ثقافة عالمية واحدة وإنما توجد ثقافات
متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من أهلها على الحفاظ على
كيانها ومقوماتها الخاصة(34) .
ولما كان المجتمع العربي مختلف بطبيعة موقفه وتكوينه الثقافي
والحضاري، بمشكلاته وقضاياه فإن النظام الأمريكي يعمل على تدمير البنى الثقافية
للبلدان النامية من خلال تدمير بناها المجتمعية وعزل الثقافة عن الواقع وتهميش
المثقف والحد من فاعليته في حياة مجتمعه، لذا جاءت العولمة في هذا الاتجاه لتؤكد
العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات
على بلدان العالم أجمع هي "دعوة إلى تبني نموذج معين".
لذا فإن العولمة في هذا الاتجاه أصبحت تحمل في طياتها نوعاً أو آخر
من الغزو الثقافي، أي من قهر الثقافة الأخرى لثقافة أضعف منها. لأن العولمة
الثقافية لا تعني مجرد صراع الحضارات أو ترابط الثقافات، بل إنها توصي أيضاً
باحتمال نشر الثقافة الاستهلاكية والشبابية عالمياً(35) . والخطورة في هذه الثقافة
تكمن في محاولتها لدمج العالم ثقافياً متجاوزة بذلك كل الحضارات والمجتمعات
والبيئات والجنسيات والطبقات.
ومع أننا نؤمن "بالعالمية"، كونها تشكل إغناء للهوية
الثقافية، إلا أننا لنا موقف تجاه "العولمة" عندما تكون اختراقاً لها،
وتمييعاً، فالاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة هو إلغاء الصراع الأيديولوجي
والحلول محله، الصراع الأيديولوجي صراع حول تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتسريع
للمستقبل. أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم ذلك التأويل والتفسير
والتسريع يستهدف العقل والنفس. لذا في زمن الصراع الأيديولوجي كانت وسيلة تشكيل
ألا وهي الإيديولوجيا، أما في زمن الاختراق الثقافي فوسيلة السيطرة على الإدراك في
الصورة السمعية والبصرية التي تسعى إلى تسطيح الوعي.(36) .
ولكي تحقق إيديولوجية الاختراق تقوم على نشر وتكريس جملة أوهام هي
نفسها مكونات الثقافة الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حصرها باحث
أمريكي في الأوهام الخمسة: وهم الفردية، وهم الخيار الشخصي، وهم الحياد، وهم
الطبيعة البشرية التي لا تتغير، وهم غياب الصراع الاجتماعي(37) .
وإذا ما أخذنا الإعلام كمكون ثقافي نجده يشكل بوسائله هيمنة أحادية
لبلد واحد من بلدان العالم هو الولايات المتحدة على عالم الثقافة والإعلام، ويتضح
لنا ذلك في أشكال الهيمنة الآتية ذكرها:(38) :
1. معظم مواد وتجهيزات الصناعة
التقليدية والإعلام بيد الدول المصنعة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية
الورق، الحبر، آلات الطباعة، آلات التصوير).
2. جميع مواد وتجهيزات الاتصال
الحديثة بيد المجموعة نفسها ويتحكم فيها كلياً مركز واحد للهيمنة.
3. جميع تجهيزات المعلوماتية
والحاسوبية وغزو الفضاء، وكذلك المواد الثقافية والمرجعية والمكتبات وبنوك
المعلومات بيد مركز الهيمنة.
4. معظم مصادر البث الإعلامي والأقمار
الصناعية، ومواد تصنيعها بيد الجهة نفسها، وكذلك طرق تجارتها، والأشكال القانونية
التي تنظمها.
إن موجة العقوبات الاقتصادية و الحصار (العراق، ليبيا) التي تنفذها
الولايات المتحدة سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو خارجها والتي تُفرض تحت عناوين
متنوعة وذرائع متباينة يمكن أن تشمل كل هذه البنود حرماناً أو ابتزازاً أو تحكماً
في المحتوى والشكل... ,هذا يعني أنه في مقدور مراكز البث والتصنيع أن تبث الأخبار
والمعلومات بالطريق التي تناسبها بما في ذلك أخبار البلدان المتلقية)، وأن تشكل
صورة العالم بما يوافق أهوائها ومصالحها وأن تتحكم في الأفكار والأذواق والأزياء
الثقافية والفنون الترفيهية بما لا يتعارض مع أهدافها.
ومع أننا بحاجة إلى التحديث أي الانخراط في عصر العولمة والتقنية
كفاعلين مساهمين لكننا في حاجة كذلك إلى مقاومة الاختراق. وحماية هويتنا القومية
وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي، فالثقافة هي معركة وهي جزء من المعركة
الأكبر والأشمل، وهي معركة المصير الحضاري التي تطبع المرحلة التاريخية الراهنة.
فالتأكيد على مفهوم الهوية الثقافية القومية لا يعني إلغاء أو إقصاء الهويات
الوطنية والقطرية، ولا الهويات الجمعوية الأثنية والطائفية، فالتعدد الثقافي في
الوطن العربي واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها بل لا بد من توظيفها بوعي في إغناء
وإخصاب الثقافة العربية وتوسيع مجالها الحيوي.
وفي ميراث الأمة العربية مرحلة إيجابية قديمة ازدهرت فيها التعددية
ضمن إطار الشخصية الحضارية الواحدة، فقامت مدارس واجتهادات ونظريات وطوائف إلا أن
التعددية الثقافية الإيجابية في الماضي المزدهر تحولت إلى شتات ثم إلى عوامل تعميق
التجزئة وتفتيت وضياع في مراحل الهيمنة الأجنبية والاستعمار وهي اليوم تستغل لضرب
الوحدة الوطنية داخل إطار التجزئة القطرية ذاتها.
فالثقافة العربية اليوم لا تصارع الثقافات القومية فقط لكنها من خلال
عصر المعلومات والثورة الاتصالية والتفجير التكنولوجي تصارع قوة الثقافة(40) .
إن الثقافة العربية اليوم هي دليل الأمة نحو إنسانيتها ودليل حضاري
نحو التمسك بالحوار على الرغم من عوامل الصراع التي تهدد الأمة بمصيرها الحضاري.
التعامل مع
تحديات العولمة :
أدى الاختلاف في المواقف تجاه ظاهرة العولمة إلى تباين اتجاهات
التعامل معها، فهناك اتجاهات رافضة بالكامل وهي اتجاهات تقف ضد مسار التاريخ ولن
يتاح لها النجاح، وهناك اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات باعتبارها هي لغة
العصر القادم، وهناك اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة.(41) .
ولقد انسحب هذا التباين في المواقف تجاه العولمة على مواقف البلدان
العربية من السماح للأفراد باستخدام شبكة الانترنيت مثلاً، فهناك بلدان عربية تفرض
حظراً على ذلك، ولا تسمح سوى لأجهزة الدولة باستخدام الشبكة، وهناك بلدان عربية
أخرى لاتضع أية قيود على استخدام الانترنيت. ومن هنا فقبول مختلف جوانب العولمة قد
يختلف من بلد إلى آخر فقد يقبل قطر معين العولمة الاقتصادية، لكنه يرفض السياسية
المتعلقة بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وقد يرفض قطر آخر العولمة
الاقتصادية. (42) .
ولتحديد المسار السليم للوطن العربي لمواجهة ظاهرة العولمة باتجاه
تعزيز مكانته الدولية وحماية شخصيته الثقافية والحضارية من مخاطرها، تبرز ضرورة
بلورة الشروط الموضوعية والاستراتيجيات الحركية لتحقيق ذلك. وتتمثل هذه الشروط بما
يأتي:
1. التمسك بالخيار القومي وترسيخه
وتثبيته والدفاع عن الحياة العربية المتحررة الناهضة، وبتحقيق وحدة النضال العربي
ليكون نقطة ا لانطلاق في استراتيجية المواجهة لمخطط التفتيت والتجزئة للوطن
العربي.
2. إقامة منظومة أمنية إقليمية عربية
لمواجهة حالة الانحسار في الأمن القومي من خلال عودة العراق إلى الشمل العربي
وقيام الأقطار العربية بخرق الحصار المفروض على العراق وليبيا والسودان، والعمل
على وضع آلية لفض النزاعات العربية(43) .
3. صياغة استراتيجية عربية لا
للمواجهة الرافضة رفضاً مطلقاً لما يجري في العالم ولكن للتفاعل الحي الخلاق،
ومواجهة الضغوط الحقيقية الحتمية التي تفرضها العولمة اليوم على السياسات المستقلة
للتطور الاجتماعي والقومي والشعبي.
4. التأكيد على المفهوم العربي
للثقافة الذي ينطلق في صورة نداء للحوار بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المتعددة
في الوطن العربي، إنه النداء الذي يتوجه إلى العرب وإلى العالم الإسلامي وإلى
المثقفين الأحرار في العالم، لمواجهة الخلل في معادلة الثقافة والحضارة.
إن مواجهة تحديات العولمة يتطلب أيضاً التحرك والعمل الاستراتيجي
وعلى ثلاثة مستويات(44) .
1 ـ المستوى الوطني: حتمية الإصلاح
الإداري والسياسي والتعليمي:
تكمن
أهمية إصلاح الأجهزة الإدارية والحكومية في كونها تُمثل العصب الأساسي للدولة،
وذلك وفقاً لرؤى جديدة تجعل أجهزة الدولة ومؤسساتها أكثر قدرة على التكيف مع
المتغيرات الجديدة. كما أن إصلاح نظم سياسات التعليم والتدريب والتأهيل يمثل أيضاً
عنصراً جوهرياً في هذا الإطار، حيث سيخلق قوة عاملة مدربة ومؤهلة وقادرة على
استيعاب التطورات المرتبطة بظاهرة العولمة. كما أن تطوير سياسات نقل التكنولوجيا
وتوظيفها والعمل على تنمية قاعدة تكنولوجية محلية يعد من المتطلبات الأساسية
لتهيئة الدول لعصر العولمة. إضافة إلى ضرورة الإصلاح السياسي كونه الركيزة
الأساسية في أية استراتيجية إصلاح داخلي، ويتمثل في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي
بصورة تدريجية وتراكمية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة ظواهر الفساد السياسي
والإداري يعد هو المدخل الحقيقي لبناء دول المؤسسات وتحقيق سيادة القانون، وترشيد
عملية صنع السياسات والقرارات.
2 ـ المستوى الإقليمي: ضرورة تفعيل
هياكل وسياسات التكامل الإقليمي:
نظراً لعمق التحديات التي تطرحها العولمة ومحدودية قدرات دول العالم
الثالث على التعامل معها فرادى، فإن تطوير سياسات التكامل الإقليمي بين هذه الدول
في إطار المناطق والنظم الإقليمية التي تشملها، أصبح ضرورة، خاصة وأن أغلب مناطق
العالم الثالث لا تنقصها هياكل التكامل ولا التصورات والأفكار والبرامج، ولكن الذي
ينقصها هو إرادة التكامل.
وقد تكون التحديات المشتركة التي تمثلها العولمة لهذه الدول ومن
بينها دول الوطن العربي) وأفعالها لاتخاذ خطوات جادة وحقيقية على طريق عمليات
التكامل أو التكتل الإقليمي فيما بينها.
3 ـ على المستوى العالمي:
ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر ديمقراطية يكون
العالم الثالث والوطن العربي خاصة طرفاً مشاركاً فيه، وليس علىهامشه، ويجري في
إطاره ترشيد عملية العولمة، ومساعدة دول العالم الثالث على مواجهة التحديات
المزمنة التي تعاني منها، والتصدي للمشكلات العالمية العابرة للحدود.
بدون هذه المستويات الثلاثة لن يكون بمقدور دول عديدة في العالم
الثالث ومنها دول الوطن العربي، أن تتعامل مع متطلبات العولمة وتحدياتها، وستبقى
أسيرة لمشكلاتها المزمنة وللتحديات الجديدة التي تفرضها عليها المستجدات والتحولات
الراهنة.
خاتمــة:
على الرغم من وجود إجماع بين المراقبين للحياة الدولية على أن
العمليات السياسية والأحداث والأنشطة في عالم اليوم لها بعد كوني دولي متزايد يرى
بعض الباحثين: بأن هناك أربع عمليات أساسية للعولمة وهي: المنافسة بين القوى
العظمى، والابتكار التقني التكنولوجي) وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث.
إن هدف الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من ترويج
مفاهيم العولمة هو توظيفها من أجل سيطرتها وهيمنتها على العالم وخاصة دول العالم
الثالث، حيث تشكل مخاطر العولمة هذه تهديداً لحضارتها ومستقبلها، وتأتي خطورة هذا
الاتجاه من خلال ما تتعرض له هيكلية هذه الدول وما تصاب به حضارة العديد من الأمم
من تمزق وتشويه، فضلاً عن ما تتعرض له ثقافات هذه الأمم من عمليات اختراق من قبل
ثقافات الأمم الاستعمارية، مستخدمة إمكاناتها في تفوقها العلمي والتكنولوجي، ومن
خلال ما وصلت إليه من تقدم في مجالات الانترنيت وشبكات الاتصال الفضائية.
إن هذا الأمر سيقود بالدرجة الأساس العديد من الأمم التي لها
خصوصيتها إلى اتخاذ مجتمعاتها مواقف مختلفة ومتباينة من العولمة، حيث هناك معارك
كبرى أيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة.
ونحن في الوطن العربي نحتاج إلى المزيد من دراسة هذه الظاهرة
,وآثارها العامة على حاضر الوطن العربي ومستقبله. تحتاج إلى دراسات جادة ورصينة،
وندوات عديدة على مستوى الوطن العربي، لتساعدنا في اتخاذ موقف قومي موحد، وصياغة
استراتيجية عربية قومية تمنحنا القدرة على التعامل الإيجابي مع ظاه
د. محمد أحمد السامرائي
يثير مفهوم "العولمة" الكثير من النقاش والجدل، ابتداءً من
التعريف بالمفهوم مروراً بتحديد أبعاد العولمة ومظاهرها وطبيعة القوى الفاعلة
المحركة لها، إضافة إلى رصد وتحليل تأثراتها على الدول والمجتمعات وبخاصة دول
العالم الثالث.
برزت "العولمة" بشكل واضح خلال عقد التسعينات لكنها سرعان
ماتحولت إلى قوة من القوى المؤثرة في الحقائق والوقائع الحياتية المعاصرة، وقد
ساعدها في ذلك تفكك الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى وانهيارا لأحزاب الشيوعية في دول
أوروبا الشرقية.
و"العولمة" هي أيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة عن إرادة
الهيمنة على العالم وأمركته، وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في استعمال السوق
العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية في نظمها وبرامجها الخاصة
بالحماية الاجتماعية، وكذلك في إعطاء كل الأهمية والأولوية للإعلام لإحداث
التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.
يهدف هذا البحث إلى الكشف عن أحد مفاهيم العولمة وهي "العولمة
السياسية" وبيان مخاطرها على الوطن العربي. فقد تناول البحث تحليل العديد من
الظواهر المرتبطة بهذا المفهوم والكشف عن الوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة
الأمريكية لتحقيق أهدافها وهيمنتها على العالم، والتي تمثلت في استخدام مفاهيم
"العولمة وسيادة الدولة"، و"العولمة وظاهرة الهيمنة"
و"العولمة والهوية الثقافية والحضارية".
ولما كانت "العولمة" هي نمط سياسي اقتصادي ثقافي لنموذج
غربي متطور خرج بتجربته عن حدوده لعولمة الآخر، فهي تشكل أيضاً تحديات خطرة تهدد
الوطن العربي والعالم الثالث. إلا أن هذه المخاطر تتفاوت بين المخاطر السياسية
والثقافية والاقتصادية، وترتبط المخاطر السياسية بمحاولات الولايات المتحدة لأمركة
العالم، والاستفراد بالشأن العالمي وإدارته إدارة أحادية بما يتناسب مع مصالحها
وغاياتها، مما يستوجب وضع استراتيجية عربية لمواجهة هذه التحديات وهذا ما سيتناوله
البحث أيضاً...
الأبعاد
الفكرية للعولمة :
لم تكن
محاولة فرانشيس فاكوياما في كتابه نهاية التاريخ 1989) إلا محاولة لصياغة وعي كوني
زائف الغرض منه إثبات أن الرأسمالية ستكون هي ديانة إنسانية إلى أبد الآبدين(1) .
فهو يشخص المرحلة الراهنة في التاريخ وكأنها مرحلة انتصار نهائي للنموذج السياسي
والفكري الليبرالي.
ثم تبعه مقال اليهودي الأمريكي "صامويل هانتنغتون" ـ
"صدام الحضارات" في صيف 1993، في فصله "فورين أفيرز" معلناً
دخول "السياسة على نطاق العالم كله مرحلة جديدة"، وهو يفترض حتمية تصادم
الحضارات إذ يقول" سوف يتمحور الانقسام الأساسي داخل المجموعة البشرية حول
العوامل الثقافية التي ستصبح المصدر الرئيسي للصدام.. إن صدام الحضارات هو الذي سيحتل
مركز الصدارة في السياسة العالمية"(2) . فنظرية هنتنغتون تصر بقوة وإلحاح على
أن الحضارات غير الغربية لابد أن تصطدم بالغرب، ويعني ذلك استمرار وتوسيع نطاق
الحرب الباردة بوسائل جديدة(3) .
ومن الجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي
قد طرح من قبل كتاب أمريكان في السبعينات وبالتحديد من كتاب "ماك لولهان
وكينتين فيور"، حول "الحرب والسلام في القرية الكونية"، وكتاب
"بريجسكي" بعنوان "بين عصرين: دور أمريكا في العصر
الإلكتروني"، وقد طرح هذا المصطلح بعد تقدم وسائل الاتصالات الهاتفية بين
الدول، وجاءت شبكات الانترنيت بوساطة الكومبيوتر لتضيف مبرراً آخر لتعزيز فكرة
"العولمة"(4) .
كما طرحت مقولات أخرى لتشخيص واقع هذه المرحلة تمثلت في كتاب
"صعود وهبوط الامبراطوريات"، "لبول كينيدي"، الذي توقع انهيار
الاتحاد السوفييتي، وتنبأ أيضاً باحتمال تراجع هيمنة الولايات المتحدة على الشأن
العالمي في المستقبل، إذا ظل الإنفاق العسكري الأمريكي على مستوياته العالمية،
والتي لا تتناسب مع نصيبها من الإنتاج الإجمالي، ثم كتاب "العولمة"
"لرونالد ربرتسون"، الذي أكد على أن "العولمة هي: تطور نوعي جديد
في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر انكماشاً"، ويضاف
إليها أيضاً كتاب "معضلة العولمة" "لجون بسبيت" الذي يتحدث
بالتفصيل عن القوى التكنولوجية والتكتلات الاقتصادية الجديدة التي ستلعب الدور
الحاسم في تشكيل البشرية خلال القرن المقبل، وكتاب "الموجة الثالثة"،
"لالفين توفللر"، وكتاب "صدمة المستقبل"، وكتاب "تحولات
القوة"، التي أسهمت في تحديد سمات هذه المرحلة الراهنة من العالم...
ومن الطبيعي أن يتفاوت فهم الأفراد للعولمة ومضامينها المختلفة، فلا
يمكن حصر وتحديد العولمة في تعريف واحد مهما اتصف هذا التعريف بالشمول والدقة، فالاقتصادي
الذي يركز على المستجدات الاقتصادية العالمية وطبيعة المرحلة الراهنة من التراكم
الرأسمالي على الصعيد العالمي، يتهم العولمة بخلاف عالم السياسة الذي يبحث عن
تأثير التطورات العالمية والتكنولوجية المعاصرة على الدولة ودورها في عالم يزداد
انكماشاً يوماً بعد يوم. كما أن عالم الاجتماع يرصد بروز القضايا العالمية
المعاصرة، كقضايا الانفجار السكاني والبيئة والفقر و المخدرات وازدحام المدن
والإرهاب بالإضافة إلى بروز المجتمع المدني على الصعيد العالمي يفهم العولمة بخلاف
المهتم بالشأن الثقافي الذي يهمه ما يحدث من انفتاح للثقافات والحضارات وترابطها
مع بعضها بعضاً، واحتمالات هيمنة الثقافة الاستهلاكية وتهديدها للقيم والقناعات
المحلية.
لذا أصبح من الضروري التمييز بين "العولمة" الاقتصادية
و"العولمة" الثقافية و"العولمة" العلمية و"العولمة"
الاجتماعية، فلا توجد عولمة واحدة(6) .
وبهدف الإلمام ببعض المفاهيم ووجهات النظر حول مفهوم
"العولمة" لا بدمن الأخذ ببعض التعريفات المهمة لها(7) : فقد عرفها
"رونالد روبرتسون"، بأنها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي
الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش. في حين يؤكد "فانتوني جيدنز" بأن
العولمة هي "مرحلة من مراحل بروز وتطور الحداثة، وتتكثف فيه العلاقات
الاجتماعية على الصعيد العالمي. فبينما يعرف "مالكوم واترز"، مؤلف كتاب
"العولمة" بأن "العولمة" هي: كل المستجدات والتطورات التي
تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم، في مجتمع عالمي واحد"، أما
"كينشي اوهماي" فيعرف "العولمة" بأنها: "ترتبط شرطاً بكل
المستجدات وخصوصاً المستجدات الاقتصادية التي تدفع في اتجاه تراجع حاد في الحدود
الجغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية القائمة حالياً.
ومع أنني أتفق مع القائل( : إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو
مسألة شاقة نظراً إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساساً بانحيازات الباحثين
الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء "العولمة" رفضاً أو قبولاً، فضلاً عن أن
العولمة ظاهرة غير مكتملة الملامح كونها عملية مستمرة تكشف كل يوم عن وجه من
وجوهها المتعددة. وأياً كان الأمر فيمكن القول إن جوهر عملية "العولمة"
يتمثل في : سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني.
وطالما أصدرت الدعوة إلى "العولمة" من الولايات المتحدة فإن الأمر يتعلق
بالدعوة إلى توسيع النموذج الأمريكي وفسح المجال له ليشمل العالم كله. وهذا ما
يجعل مفكراً مثل "ريجيس دوبريه"، يرى أن "العولمة" التي تتم
الدعوة إليها اليوم "عولمة زائفة"، فالحيز المطروحة فيه أمريكي، والنمط
السياسي والثقافي هو نمط الحياة الأمريكية والفكر الأمريكي(9) .
وكأنما يراد من "العولمة" "رسملة العالم غير
الرأسمالي"(10) .
يتضح لنا أن جميع الفئات التي تندرج في إطار محاولات تعريف
"العولمة" المتمثلة في:"العولمة باعتبارها حقبة تاريخية،
و"العولمة" باعتبارها تجليات لظواهر اقتصادية، و"العولمة"
باعتبارها انتصاراً للقيم الأمريكية، و"العولمة" باعتبارها قوة اجتماعية
وتكنولوجية".
كل هذه التعريفات تكاد أن تكوّن المكونات الأساسية لتعريف واحد جامع
للعولمة.
وإذا كانت الدولة القومية قد حلت محل الإقطاعية منذ نحو خمسة قرون
تحل الشركات المتعددة الجنسيات محل الدولة، والسبب في الحالتين واحد: التقدم
التقني وزيادة الإنتاجية والحاجة إلى أسواق أوسع. فلم تعد حدود الدولة القومية هي
حدود السوق الجديدة بل أصبح العالم كله مجال التسويق: ولتحقيق ذلك كانت الشركات
تنشر أفكاراً تساعد على تحطيم موضوع الولاء القديم وهو الوطن والأمة وإحلال ولاءات
جديدة محله وأفكار من نوع " نهاية الإيديولوجيا"، و"نهاية التاريخ"
و"القرية العالمية"، و"الاعتماد المتبادل"... الخ مما يصطلح
استخدامه مع جميع الأمم(11) . كما أنها تستعين مع تحقيق أهدافها بالمؤسسات المالية
الدولية وأجهزة المخابرات في الدول الكبرى ومختلف وسائل التأثير في الرأي
العام(12) .
لقد أدخلت تطورات "العولمة" العالم في تفاعلات ومواجهات لم
يعرفها من قبل بسبب: إسقاطها المستمر لحدود الزمان والمكان.
فهي تهدد الجغرافية وحدود الدولة السياسية، وكل هذه المظاهر كانت
تَعنِيْ سابقاً السيادة الوطنية، والأمن بمعناها السياسي والعسكري والنفسي(13) .
الأبعاد
السياسية للعولمة:
تعد
السياسة من أبرز اختصاصات الدولة القومية التي تحرص على عدم التفريط بها ضمن
نطاقها الجغرافي ومجالها الوطني. وهذا الحرص ضِمن المجال المحلي، وبعيد عن
التدخلات الخارجية ترتبط أشد الارتباط؛ بمفهوم السيادة وممارسة الدولة لصلاحياتها
وسلطاتها على شعبها وأرضها وثرواتها الطبيعية.
والدولة القومية هي نَقيض العولمة، كما أن السياسة ونتيجة لطبيعتها
ستكون من أكثر الأبعاد الحياتية مقاومة للعولمة التي تتضمن انكماش العالم وإلغاء
الحدود الجغرافية وربط الاقتصادات والثقافات والمجتمعات والأفراد بروابط تتخطى
الدول وتتجاوز سيطرتها التقليدية على مجالها الوطني والمحلِّي(14) .
إن الدولة التي كانت دائماً الوحدة الارتكازية لكل النشاطات
والقرارات والتشريعات أصبحت الآن وكما يوضح "ريتشارد فويك"، مجرد وحدة
ضمن شبكة من العلاقات والوحدات الكثيرة في عالم يزداد انكماشاً وترابطاً(15) .
فالقرارات التي تتخذ في عاصمة من العواصم العالمية سرعان ما تنتشر انتشاراً سريعاً
إلى كل العواصم، والتشريعات التي تخص دولة من الدول تستحوذ مباشرة على اهتمام
العالم بأسره، والسياسات التي تستهدف قطاعات اجتماعية في مجتمع من المجتمعات تؤثر
تأثيراً حاسماً في السياسات الداخلية والخارجية لكل المجتمعات القريبة والبعيدة.
ترتبط "العولمة السياسية ببروز مجموعة من القوى العالمية
والإقليمية و المحلية الجديدة خلال عقد التسعينات، والتي أخذت تنافس الدول في
المجال السياسي، ومن أبرز هذه القوى التكتلات التجارية الإقليمية كالسوق الأوروبية
المشتركة لتشكل وحدة نقدية تعمل من خلال المصرف المركزي الأوروبي الذي أنشئ عام
1999 ليشرف على عملة اليورو.
إن النموذج الاندماجي الأوروبي يقوم أساساً على تخلي الدول الأوروبية
الطوعي عن بعض من مظاهر السيادة لصالح كيان إقليمي يتجه نحو الوحدة الاقتصادية،
وربما لاحقاً الوحدة السياسية من خلال بروز الولايات المتحدة الأوروبية التي تتمتع
بسياسة خارجية ودفاعية واحدة لتصبح قوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية خلال
القرن القادم(16) .
مع السياق الاقتصادي هناك المؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية
العالمية، وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية، والتي تأسست عام 1996، لتشرف
إشرافاً كاملاً على النشاط التجاري العالمي. كما يشرف صندوق النقد الدولي على
النظام المالي العالمي.
لقد أصبحت هذه المؤسسات التجارية والمالية من الضخامة والقوة، حيث
أنها أصبحت قادرة على فرز قراراتها وتوجيهاتها على كل دول العالم. كذلك هناك
الشركات العابرة للحدود التي شكلت نتيجة للتحالفات عابرة القارات بين الشركات
الصناعية والمالية والخدماتية العلاقة في كل من أوروبا وأمريكا واليابان.(17) .
إن ما تقوم به هذه الشركات هو إعادة رسم الخارطة الاقتصادية العالمية
وزيادة سيطرتها وتحكمها في الأسواق العالمية وتوجيه سياساتها خلال القرن القادم.
وفي الجانب الاجتماعي فقد برزت في الآونة الأخيرة المنظمات الأهلية
غير الحكومية على الساحة السياسية العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة في المؤتمرات
العالمية كمؤتمر "قمة الأرض"، في ريودي جانيرو، و"مؤتمر
السكان"، في القاهرة، ومؤتمر "المرأة" في بكين، و"مؤتمر حقوق
الإنسان" في فينا، وتأتي في مقدمة هذه المنظمات غير الحكومية منظمات البيئة
"كمنظمة السلام الخضر"، و"منظمات حقوق الإنسان" كمنظمة
"العفو الدولية"، والمنظمات النسائية كمنظمة "أخوات حول
العالم". جميع هذه المنظمات أخذت تعمل باستقلال تام عن الدول التي لم تعد
قادرة على التحكم في نشاط وعمل هذه المنظمات(18) .
ومع أن هذا التطور الذي يصب في سياق بروز الحكم العالمي، والذي يتضمن
بروز شبكة من المؤسسات العالمية المترابطة التي تضم الدول والمنظمات غير الحكومية
والشركات العابرة للقارات، والهيئات الدولية، كالأمم المتحدة يستثمرها البعض
ليعدها خطوة في الطريق المستقبلي نحو قيام الحكومة العالمية الواحدة والتي هي
الهدف النهائي للعولمة السياسية. في حين، أن ما يجري يمثل موقف تلك الدول بكل
سيادتها واستقلالها باتجاه التعاون في تناول قضايا مهمة تخص المجتمع الدولي وتعمل
سوية من أجل حلها. لقد أفرز الوضع الدولي الجديد عدة مفاهيم وتطورات من منظور
عملية العولمة السياسية نذكر أبرزها(19) :
1. توسع دور الولايات المتحدة
الأمريكية على الصعيد العالمي، مما حدا بالبعض إلى اعتبار العولمة مرادفاً للأمركة
بمعنى سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقاً
لمصالحها وتوجهاتها وأنماط القيم السائدة فيها.
2. إن القوة الاقتصادية والمالية التي
تمثلها الشركات متعددة الجنسيات خاصة مع اتجاه بعضها نحو الاندماج والتكتل في
كيانات أكبر، إنما تسمح لها بممارسة المزيد من الضغط على الحكومات وبخاصة في
العالم الثالث، والتأثير على سياساتها وقراراتها السيادية، وليس بجديد القول إن
رأسمال شركة واحدة من الشركات العالمية العملاقة يفوق إجمالي الدخل القومي لعشر أو
خمس عشرة دولة إفريقية مجتمعة، وهو ما يجعل هذه الكيانات في وضع أقوى من الدول.
وعلى الرغم من القيود التي تفرضها العولمة على الدول القومية والتي
تحد من قدرتها على ممارسة سيادتها بالمعنى التقليدي، وعلى الرغم من أن الدولة لم
تعد هي الفاعل الوحيد أو الأقوى في النظام العالمي، إلا أنه لا يوجد ما يدل على أن
هذه التحولات ستؤدي إلى إلغاء دور الدولة أو خلق بديل لها، حيث سيبقى للدولة دور
مهم في بعض المجالات وبخاصة في بلدان العالم الثالث.
3. إن الدول الصناعية الغربية وبعض
دول العالم الثالث المصنعة حديثاً اتجهت نحو إقامة وتدعيم التكتلات الاقتصادية
الإقليمية كجزء من استراتيجيتها لتتكيف مع عصر العولمة. كما هو الحال في التطورات
التي لحقت بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية، وكذلك ببادرة الولايات المتحدة
الأمريكية بتأسيس "النافاتا" التي تضم إلى جانبها كل من كندا والمكسيك.
كما حرصت دول جنوب شرق آسيا على تدعيم علاقاتها من خلال رابطة
"الاسيان". وإذا كان تعزيز التكتل الاقتصادي الإقليمي يمثل آلية مهمة
لتمكين الدول الأعضاء في تلك التكتلات من تعظيم فرص وإمكانيات استفادتها من
إيجابيات عملية العولمة، وتقليص ما يمكن أن تتركه عليها من سلبيات، فإن الكثير من
مناطق العالم الثالث تعاني من ضعف وهشاشة أطر وهياكل التكتل والتكامل الإقليمي بين
دولها.
4. على الرغم من زيادة اهتمام
الولايات المتحدة الأمريكية بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم على صعيد
الخطاب السياسي الرسمي وبعض الممارسات العملية إلا أن السياسة الأمريكية تتعامل مع
هذه القضية بنوع من البركماتية والانتهازية السياسية التي تتجلى أبرز صورها مع
المعايير المزدوجة التي تطبقها بهذا الخصوص، وعدم ترددها في التضحية بقيم
الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان في حالة تعارضها مع مصالحها الاقتصادية
والتجارية. وهكذا يتبين لنا أن أمريكا لا تتبنى قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان
كرسالة أخلاقية عالمية بل تتخذها كأداة لخدمة مصالحها وسياستها الخارجية.
5. إن القوة العظمى الوحيدة في عالم
مابعد الحرب الباردة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية تعمد إلى استخدام قواتها
ونفوذها لتوظيف الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك
الدوليين من أجل تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين بصفة عامة.
6. إن فرص وإمكانيات تحقيق المزيد من
الاستقرار في النظام العالمي في عصر العولمة تبدو بصفة عامة محدودة، فالتأثيرات
القائمة والمحتملة للعولمة على بلدان العالم الثالث وبخاصة فيما يتعلق بتهميش بعض
الدول، وتوسيع الهوة بين الشمال والجنوب واستمرار تفاقم بعض المشكلات التي يعاني
منها العالم الثالث. نظراً لذلك فإن بعض مناطق الجنوب ستبقى رهينة للحروب الداخلية
والإقليمية التي يمثل بعضها عناصر لعدم الاستقرار في النظام العالمي.
الوطن العربي
وتحديات العولمة:
بعد
عام 1945 كانت تجربة الغرب أو تجاربه توحي له بأن القضاء على النازية)، يعني نهاية
القومية. وفي عام 1992 كانت الإيديولوجيتان الغربيتان: الشيوعية والرأسمالية قد
رسختا الاعتقاد بأن عصر القوميات قد انتهى وأن التاريخ تجاوزهما، وأن الاشتراكية
الأممية والديمقراطية الغربية قد حلتا محلهما. كما فشل رهان النموذج الحضاري
الغربي). على نهاية "القومية" وكذلك على "الدين" لأن أفق
الغرب الحضاري بقي مغلقاً على ذاته، وعلى تجاربه فهو لم يعرف سوى النموذج المتسلط
من "القومية"، ومن "الأممية"، ولم يتمكن من تجاوز إطار مفهومه
المادي للحياة وللكون.(20) .
تبرز تحديات
العولمة السياسية للوطن العربي في الظواهر الآتية ذكرها:
أولاً:
العولمة وسيادة الدولة:
بعد
الحرب العالمية الثانية تجلت إرادة الشعوب في الحرية والتقدم من خلال تعبيرها عن
هويتها الوطنية والقومية والإنسانية وعن تطلعها الحضاري من خلال بلورة إيديولوجيات
قومية تحررية متصلة الجذور بتراثها وبآفاق هذا العصر.
وما أن بدأ تيار العولمة الجديد حتى بزغ نجم الشركات متعددة الجنسية،
فكأنما كان على الدول القومية في العالم الثالث أن ترخي قبضتها شيئاً فشيئاً على
الاقتصاد والمجتمع، ونظام التخطيط يتم إلغاؤه، والاشتراكية تصبح مضغة في الأفواه.
وقد زاد هذا الاتجاه تسارعاً بعد سقوط الكتلة الشرقية وانتهاء الحرب الباردة.
ولكن هذا التحول التام من سياسة إلى نقيضها يجب أن تقوم به الدولة
نفسها، إن عليها أن تقوم بتفكيك نفسها، وعليها أن تسلم مهامها ووظائفها القديمة
الواحدة بعد الأخرى لتتولاها الشركات الدولية العملاقة أو المؤسسات الدولية التي
تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة وتعمل لحسابها(21) .
ولقد أصاب من أطلق عليها اسم "الدولة الرخوة"، وهو للأسف
ينطبق على كثير من دول الوطن العربي.
إن تأثير العولمة على سيادة الدولة يتمثل في أن قدرات الدول تتناقص
تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق الأفكار
والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها. فالثورة الهائلة في مجالات الاتصال
والمعلومات والإعلام حدّت من أهمية حواجز الحدود والجغرافية. كما أن قدرة الدولة
سوف تتراجع إلى حد كبير خاصة في ظل وجود العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس
على الفضاء. كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري
والمعاملات المالية يحد أيضاً من قدرة الحكومات على ضبط هذه الأمور، مما سيكون له
تأثير بالطبع على سياساتها(22) المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم
المالية والاقتصادية.
ولقد وجدت الدولة الصهيونية في العولمة فرصتها، فهي تحاول أن تستثني
نفسها من هذه الميزة فهي تبدي السياسات العكسية تماماً. فالدولة الصهيونية طرحت
تصورها الخاص للعولمة وتحاول فرضه على الدول المحيطة بها وهو تصور "الشرق
أوسطية" فهذا المشروع الذي روج له الكيان الصهيوني هو عولمة مصغرة(23) .
فالعولمة إذن نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، العولمة تقوم على
الخوصصة، إي نزع ملكية الأمة والوطن والدولة ونقلها إلى الخواص في الداخل والخارج.
وهكذا تتحول الدول إلى جهاز لا يملك ولا يراقب ولا يوجه، وهذا سيحقق إيقاظ أطر
للانتماء سابق على الأمة والدولة هي القبيلة والطائفة والتعصب المذهبي... الخ.
والدفع بها إلى التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل، إلى تمزيق الهوية الثقافية
الوطنية والقومية... إلى الحرب الأهلية(24) .
ونظراً للقوة الاقتصادية والمالية التي تمثلها الشركات متعددة
الجنسية يجدر بنا في هذا المجال التذكير ببعض الآثار السياسية والأمنية لهذه
الشركات على الدول(25) .
1.
ممارستها للأدوار المختلفة التأثير على السياسات الوطنية للدولة المضيفة.
2.
إن هذه الشركات تمثل جزاء منها في عملية صنع السياسة الخارجية لدولها.
3.
تكرار التهديدات التي تمارسها حكومات هذه الشركات ضد الدول المضيفة والناجمة عن
عزم تلك الحكومات على تطبيق قوانينها الخاصة على هذه الشركات مما يعد تدخلاً في
الشؤون الداخلية للدول المضيفة.
4.
استهداف الأنظمة السياسية المناهضة لسياسات حكومات الشركات أو السعي إلى المحافظة
على أنظمة سياسية معينة وتثبيتها في السلطة.
وعلى الرغم من القيود التي تحاول العولمة فرضها على الدولة القومية
لتحد من قدرتها على ممارسة سيادتها بالمعنى التقليدي، وعلى الرغم من أن الدولة لم
تعد هي الفاعل الوحيد أو الأقوى في النظام العالمي، إلا أنه لا يوجد ما يدل على أن
هذه التحولات ستؤدي إلى إلغاء دور الدولة، أو خلق بديل لها حيث سيبقى للدولة دور
مهم في بعض المجالات وبخاصة في بلدان العالم الثالث.
ـ ثانياً:
العولمة: إيديولوجية الهيمنة:
يهدف
"النظام الدولي الجديد" الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية
للانفراد بالعالم والهيمنة عليه، إلى تحقيق جملة من الأهداف لها يمكن ذكرها على
النحو الآتي:
1. الضمان الأساسي للنفط في
"المنطقة" على مدى زمني قادم.
2. الضمان الأساسي لدولة
"المنطقة" الصغيرة والعمل على احتواء الدول الثقيلة المؤثرة فيها.
3. إدارة النظام الإقليمي القادم
للشرق الأوسط.
4. الطرف الأكثر قوة وهيمنة في ميزان
النفط.
5. الحصول على مكاسب جيو اقتصادية على
حساب غرب أوروبا واليابان.
6. التدخل في الشؤون الداخلية واختراق
السيادات الإقليمية.
7. ترتيب قضايا التسوية بين العرب
والكيان الصهيوني.
ولما كانت العولمة في بعد من أبعادها هي "هذا الطابع الذي يقوم
على التوسع والهيمنة". فإن مرحلة التسعينات تكشف لنا بوضوح وجلاء كلي عن
المخططات لإعادة سياسة التسلط والهيمنة السياسية والاقتصادية والحضارية، وللتقسيم
والتجزئة والتفتيت لتعطيل مشاريع التنمية القومية والتطور الاجتماعي، والتآمر على
وعي الأجيال لقضاياها الوطنية والقومية والإنسان، لتحقق من خلال ذلك عالم من دون
دولة ومن دون وطن ومن دون أمة، إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية الذي يجعل
من الفضاء والمعلوماتية الذي تضعه شبكات الاتصال وطناً له يسيطر
ويوجه الاقتصاد والسياسة والثقافة.(28) .
وجاء العدوان الأمريكي الأطلسي على العراق في مطلع عام 1991 ليكشف
لنا أن النهضات الوطنية في الوطن العربي سوف تتعرض أكثر من غيرها لعدوانية الغرب،
كما أن قيام الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي فلسطين) قد جدد ذكرى الصراع
القديم بين الغرب والعرب(29) .
كما تميزت
التفاعلات الدولية في منتصف عقد التسعينات باستمرار نمطين من التفاعلات(30) :
الأول
: إن التفاعلات العربية الدولية مصدرها الطرف الدولي حيث استقرت مكانة
"العرب" كطرف متلق لا يمتلك قدرات الحد الأدنى اللازمة لممارسة دور فاعل
على الصعيد العالمي.
الثاني : إن الوطن العربي ما زال أكثر الأقاليم في العالم تعرضاً
للاختراق الأمريكي على المستويات السياسية والاستراتيجية والثقافية. ويتضح ذلك من
متابعة دبلوماسية "عملية التسوية" الجارية للصراع العربي ـ الصهيوني،
ومحاولات تأسيس هيكل أمني في منطقة الخليج العربي.
إن العولمة تهدف إلى خلق أنماط جديدة من التبعية وتوسيع مجالاتها في
الوطن العربي، إضافة إلى أشكال التبعية الموجودة فيه والمتمثلة في المجالات
التالية(31) :
1. تبعية في مجال الاقتصاد وبشكل عام
تمثلت في مديونية رسمية للخارج وبخاصة للغرب ومؤسساته المالية.
2. تبعية غذائية تمثلت في انخفاض نسبة
الاكتفاء الذاتي العربي في تأمين الغذاء وتزايد نسبة الاعتماد على الخارج
لتأمينه.
3. تبعية أمنية ناجمة أساساً عن حالة
التمزق والتشرذم العربيين.
4. تبعية في حقل المياه تتمثل في
تهديد الأمن المائي العربي. هذه التبعيات متشابكة يؤثر بعضها في بعضها الآخر حيث
تنعكس سلباً على استقلالية القرار العربي.
ومع أن العولمة في بعض من معانيها كما ذكرنا "رسملة العالم غير
الرأسمالي"، أي محاولة نشر علاقات الإنتاج الرأسمالية في البلدان الخاضعة
للنظام الرأسمالي الدولي والتي لم تشهد قيام نمط للإنتاج الرأسمالي. فإن محاولة
الرسملة لن تنتج بالضرورة نظماً رأسمالية دائماً في الغالب سوف تنتج نظماً تابعة
للرأسمالية ومع الرسملة غربنة ومع الرسملة والغربنة أمركة.(32) .
ـ ثالثاً:
العولمة والهوية الثقافية و الحضارية:
تجاوز
مخطط التفتَيت للمجتمع العربي الأبعاد السياسية والجغرافية إلى الأبعاد الاجتماعية
والثقافية والفكرية والروحية. وتأتي العولمة لتحقيق هذه الأهداف، فهي عولمة حضارية
وهذه الحضارة بدورها تعبير ثقافة أمة معينة أو ثقافة مجموعة من الأمم على الرغم
مما تطلقه على نفسها من وصف "الإنسانية" و"العالمية"(33) .
فالواقع يؤكد بأنه ليس هناك ثقافة عالمية واحدة وإنما توجد ثقافات
متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من أهلها على الحفاظ على
كيانها ومقوماتها الخاصة(34) .
ولما كان المجتمع العربي مختلف بطبيعة موقفه وتكوينه الثقافي
والحضاري، بمشكلاته وقضاياه فإن النظام الأمريكي يعمل على تدمير البنى الثقافية
للبلدان النامية من خلال تدمير بناها المجتمعية وعزل الثقافة عن الواقع وتهميش
المثقف والحد من فاعليته في حياة مجتمعه، لذا جاءت العولمة في هذا الاتجاه لتؤكد
العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات
على بلدان العالم أجمع هي "دعوة إلى تبني نموذج معين".
لذا فإن العولمة في هذا الاتجاه أصبحت تحمل في طياتها نوعاً أو آخر
من الغزو الثقافي، أي من قهر الثقافة الأخرى لثقافة أضعف منها. لأن العولمة
الثقافية لا تعني مجرد صراع الحضارات أو ترابط الثقافات، بل إنها توصي أيضاً
باحتمال نشر الثقافة الاستهلاكية والشبابية عالمياً(35) . والخطورة في هذه الثقافة
تكمن في محاولتها لدمج العالم ثقافياً متجاوزة بذلك كل الحضارات والمجتمعات
والبيئات والجنسيات والطبقات.
ومع أننا نؤمن "بالعالمية"، كونها تشكل إغناء للهوية
الثقافية، إلا أننا لنا موقف تجاه "العولمة" عندما تكون اختراقاً لها،
وتمييعاً، فالاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة هو إلغاء الصراع الأيديولوجي
والحلول محله، الصراع الأيديولوجي صراع حول تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتسريع
للمستقبل. أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم ذلك التأويل والتفسير
والتسريع يستهدف العقل والنفس. لذا في زمن الصراع الأيديولوجي كانت وسيلة تشكيل
ألا وهي الإيديولوجيا، أما في زمن الاختراق الثقافي فوسيلة السيطرة على الإدراك في
الصورة السمعية والبصرية التي تسعى إلى تسطيح الوعي.(36) .
ولكي تحقق إيديولوجية الاختراق تقوم على نشر وتكريس جملة أوهام هي
نفسها مكونات الثقافة الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حصرها باحث
أمريكي في الأوهام الخمسة: وهم الفردية، وهم الخيار الشخصي، وهم الحياد، وهم
الطبيعة البشرية التي لا تتغير، وهم غياب الصراع الاجتماعي(37) .
وإذا ما أخذنا الإعلام كمكون ثقافي نجده يشكل بوسائله هيمنة أحادية
لبلد واحد من بلدان العالم هو الولايات المتحدة على عالم الثقافة والإعلام، ويتضح
لنا ذلك في أشكال الهيمنة الآتية ذكرها:(38) :
1. معظم مواد وتجهيزات الصناعة
التقليدية والإعلام بيد الدول المصنعة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية
الورق، الحبر، آلات الطباعة، آلات التصوير).
2. جميع مواد وتجهيزات الاتصال
الحديثة بيد المجموعة نفسها ويتحكم فيها كلياً مركز واحد للهيمنة.
3. جميع تجهيزات المعلوماتية
والحاسوبية وغزو الفضاء، وكذلك المواد الثقافية والمرجعية والمكتبات وبنوك
المعلومات بيد مركز الهيمنة.
4. معظم مصادر البث الإعلامي والأقمار
الصناعية، ومواد تصنيعها بيد الجهة نفسها، وكذلك طرق تجارتها، والأشكال القانونية
التي تنظمها.
إن موجة العقوبات الاقتصادية و الحصار (العراق، ليبيا) التي تنفذها
الولايات المتحدة سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو خارجها والتي تُفرض تحت عناوين
متنوعة وذرائع متباينة يمكن أن تشمل كل هذه البنود حرماناً أو ابتزازاً أو تحكماً
في المحتوى والشكل... ,هذا يعني أنه في مقدور مراكز البث والتصنيع أن تبث الأخبار
والمعلومات بالطريق التي تناسبها بما في ذلك أخبار البلدان المتلقية)، وأن تشكل
صورة العالم بما يوافق أهوائها ومصالحها وأن تتحكم في الأفكار والأذواق والأزياء
الثقافية والفنون الترفيهية بما لا يتعارض مع أهدافها.
ومع أننا بحاجة إلى التحديث أي الانخراط في عصر العولمة والتقنية
كفاعلين مساهمين لكننا في حاجة كذلك إلى مقاومة الاختراق. وحماية هويتنا القومية
وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي، فالثقافة هي معركة وهي جزء من المعركة
الأكبر والأشمل، وهي معركة المصير الحضاري التي تطبع المرحلة التاريخية الراهنة.
فالتأكيد على مفهوم الهوية الثقافية القومية لا يعني إلغاء أو إقصاء الهويات
الوطنية والقطرية، ولا الهويات الجمعوية الأثنية والطائفية، فالتعدد الثقافي في
الوطن العربي واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها بل لا بد من توظيفها بوعي في إغناء
وإخصاب الثقافة العربية وتوسيع مجالها الحيوي.
وفي ميراث الأمة العربية مرحلة إيجابية قديمة ازدهرت فيها التعددية
ضمن إطار الشخصية الحضارية الواحدة، فقامت مدارس واجتهادات ونظريات وطوائف إلا أن
التعددية الثقافية الإيجابية في الماضي المزدهر تحولت إلى شتات ثم إلى عوامل تعميق
التجزئة وتفتيت وضياع في مراحل الهيمنة الأجنبية والاستعمار وهي اليوم تستغل لضرب
الوحدة الوطنية داخل إطار التجزئة القطرية ذاتها.
فالثقافة العربية اليوم لا تصارع الثقافات القومية فقط لكنها من خلال
عصر المعلومات والثورة الاتصالية والتفجير التكنولوجي تصارع قوة الثقافة(40) .
إن الثقافة العربية اليوم هي دليل الأمة نحو إنسانيتها ودليل حضاري
نحو التمسك بالحوار على الرغم من عوامل الصراع التي تهدد الأمة بمصيرها الحضاري.
التعامل مع
تحديات العولمة :
أدى الاختلاف في المواقف تجاه ظاهرة العولمة إلى تباين اتجاهات
التعامل معها، فهناك اتجاهات رافضة بالكامل وهي اتجاهات تقف ضد مسار التاريخ ولن
يتاح لها النجاح، وهناك اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات باعتبارها هي لغة
العصر القادم، وهناك اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة.(41) .
ولقد انسحب هذا التباين في المواقف تجاه العولمة على مواقف البلدان
العربية من السماح للأفراد باستخدام شبكة الانترنيت مثلاً، فهناك بلدان عربية تفرض
حظراً على ذلك، ولا تسمح سوى لأجهزة الدولة باستخدام الشبكة، وهناك بلدان عربية
أخرى لاتضع أية قيود على استخدام الانترنيت. ومن هنا فقبول مختلف جوانب العولمة قد
يختلف من بلد إلى آخر فقد يقبل قطر معين العولمة الاقتصادية، لكنه يرفض السياسية
المتعلقة بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وقد يرفض قطر آخر العولمة
الاقتصادية. (42) .
ولتحديد المسار السليم للوطن العربي لمواجهة ظاهرة العولمة باتجاه
تعزيز مكانته الدولية وحماية شخصيته الثقافية والحضارية من مخاطرها، تبرز ضرورة
بلورة الشروط الموضوعية والاستراتيجيات الحركية لتحقيق ذلك. وتتمثل هذه الشروط بما
يأتي:
1. التمسك بالخيار القومي وترسيخه
وتثبيته والدفاع عن الحياة العربية المتحررة الناهضة، وبتحقيق وحدة النضال العربي
ليكون نقطة ا لانطلاق في استراتيجية المواجهة لمخطط التفتيت والتجزئة للوطن
العربي.
2. إقامة منظومة أمنية إقليمية عربية
لمواجهة حالة الانحسار في الأمن القومي من خلال عودة العراق إلى الشمل العربي
وقيام الأقطار العربية بخرق الحصار المفروض على العراق وليبيا والسودان، والعمل
على وضع آلية لفض النزاعات العربية(43) .
3. صياغة استراتيجية عربية لا
للمواجهة الرافضة رفضاً مطلقاً لما يجري في العالم ولكن للتفاعل الحي الخلاق،
ومواجهة الضغوط الحقيقية الحتمية التي تفرضها العولمة اليوم على السياسات المستقلة
للتطور الاجتماعي والقومي والشعبي.
4. التأكيد على المفهوم العربي
للثقافة الذي ينطلق في صورة نداء للحوار بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المتعددة
في الوطن العربي، إنه النداء الذي يتوجه إلى العرب وإلى العالم الإسلامي وإلى
المثقفين الأحرار في العالم، لمواجهة الخلل في معادلة الثقافة والحضارة.
إن مواجهة تحديات العولمة يتطلب أيضاً التحرك والعمل الاستراتيجي
وعلى ثلاثة مستويات(44) .
1 ـ المستوى الوطني: حتمية الإصلاح
الإداري والسياسي والتعليمي:
تكمن
أهمية إصلاح الأجهزة الإدارية والحكومية في كونها تُمثل العصب الأساسي للدولة،
وذلك وفقاً لرؤى جديدة تجعل أجهزة الدولة ومؤسساتها أكثر قدرة على التكيف مع
المتغيرات الجديدة. كما أن إصلاح نظم سياسات التعليم والتدريب والتأهيل يمثل أيضاً
عنصراً جوهرياً في هذا الإطار، حيث سيخلق قوة عاملة مدربة ومؤهلة وقادرة على
استيعاب التطورات المرتبطة بظاهرة العولمة. كما أن تطوير سياسات نقل التكنولوجيا
وتوظيفها والعمل على تنمية قاعدة تكنولوجية محلية يعد من المتطلبات الأساسية
لتهيئة الدول لعصر العولمة. إضافة إلى ضرورة الإصلاح السياسي كونه الركيزة
الأساسية في أية استراتيجية إصلاح داخلي، ويتمثل في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي
بصورة تدريجية وتراكمية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة ظواهر الفساد السياسي
والإداري يعد هو المدخل الحقيقي لبناء دول المؤسسات وتحقيق سيادة القانون، وترشيد
عملية صنع السياسات والقرارات.
2 ـ المستوى الإقليمي: ضرورة تفعيل
هياكل وسياسات التكامل الإقليمي:
نظراً لعمق التحديات التي تطرحها العولمة ومحدودية قدرات دول العالم
الثالث على التعامل معها فرادى، فإن تطوير سياسات التكامل الإقليمي بين هذه الدول
في إطار المناطق والنظم الإقليمية التي تشملها، أصبح ضرورة، خاصة وأن أغلب مناطق
العالم الثالث لا تنقصها هياكل التكامل ولا التصورات والأفكار والبرامج، ولكن الذي
ينقصها هو إرادة التكامل.
وقد تكون التحديات المشتركة التي تمثلها العولمة لهذه الدول ومن
بينها دول الوطن العربي) وأفعالها لاتخاذ خطوات جادة وحقيقية على طريق عمليات
التكامل أو التكتل الإقليمي فيما بينها.
3 ـ على المستوى العالمي:
ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر ديمقراطية يكون
العالم الثالث والوطن العربي خاصة طرفاً مشاركاً فيه، وليس علىهامشه، ويجري في
إطاره ترشيد عملية العولمة، ومساعدة دول العالم الثالث على مواجهة التحديات
المزمنة التي تعاني منها، والتصدي للمشكلات العالمية العابرة للحدود.
بدون هذه المستويات الثلاثة لن يكون بمقدور دول عديدة في العالم
الثالث ومنها دول الوطن العربي، أن تتعامل مع متطلبات العولمة وتحدياتها، وستبقى
أسيرة لمشكلاتها المزمنة وللتحديات الجديدة التي تفرضها عليها المستجدات والتحولات
الراهنة.
خاتمــة:
على الرغم من وجود إجماع بين المراقبين للحياة الدولية على أن
العمليات السياسية والأحداث والأنشطة في عالم اليوم لها بعد كوني دولي متزايد يرى
بعض الباحثين: بأن هناك أربع عمليات أساسية للعولمة وهي: المنافسة بين القوى
العظمى، والابتكار التقني التكنولوجي) وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث.
إن هدف الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من ترويج
مفاهيم العولمة هو توظيفها من أجل سيطرتها وهيمنتها على العالم وخاصة دول العالم
الثالث، حيث تشكل مخاطر العولمة هذه تهديداً لحضارتها ومستقبلها، وتأتي خطورة هذا
الاتجاه من خلال ما تتعرض له هيكلية هذه الدول وما تصاب به حضارة العديد من الأمم
من تمزق وتشويه، فضلاً عن ما تتعرض له ثقافات هذه الأمم من عمليات اختراق من قبل
ثقافات الأمم الاستعمارية، مستخدمة إمكاناتها في تفوقها العلمي والتكنولوجي، ومن
خلال ما وصلت إليه من تقدم في مجالات الانترنيت وشبكات الاتصال الفضائية.
إن هذا الأمر سيقود بالدرجة الأساس العديد من الأمم التي لها
خصوصيتها إلى اتخاذ مجتمعاتها مواقف مختلفة ومتباينة من العولمة، حيث هناك معارك
كبرى أيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة.
ونحن في الوطن العربي نحتاج إلى المزيد من دراسة هذه الظاهرة
,وآثارها العامة على حاضر الوطن العربي ومستقبله. تحتاج إلى دراسات جادة ورصينة،
وندوات عديدة على مستوى الوطن العربي، لتساعدنا في اتخاذ موقف قومي موحد، وصياغة
استراتيجية عربية قومية تمنحنا القدرة على التعامل الإيجابي مع ظاه
amel13- عضو جديد
- رسالة sms :
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 26
نقاط التميز : 15853
تاريخ التسجيل : 10/06/2010
رد: العولمة السياسية
بارك الله فيك ........
مؤمنة بالله- مشرفة
-
رسالة sms : في أمان الله
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1462
نقاط التميز : 17060
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
مواضيع مماثلة
» الثقافة السياسية
» المشاركة السياسية
» الدعـاية السياسية
» مجالات العلوم السياسية
» موقع المكتبة السياسية
» المشاركة السياسية
» الدعـاية السياسية
» مجالات العلوم السياسية
» موقع المكتبة السياسية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 26, 2023 4:51 pm من طرف guerna noureddine
» حضارات ماقبل التاريخ
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:36 pm من طرف بن عامر لخضر
» واد سوف على مر الزمان ثاني اكبر معلم تاريخي فالجزائر
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:34 pm من طرف بن عامر لخضر
» من أقطابنا لبرج الغدير : زاوية سيدي احسن بلدية غيلاسة دائرة برج الغدير
الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 6:38 pm من طرف بن عامر لخضر
» انتشار الامازيغ
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:40 am من طرف بن عامر لخضر
» من اقطابنا لبرج الغدير: رحلة في ذكرى 8ماي1945( بئر ميشوبأولاد سي احمد )
السبت أكتوبر 21, 2017 5:56 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 1:09 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 12:57 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : معلم أثري يكاد يندثر ( الضريح الروماني ببرج الشميسة )
الإثنين أكتوبر 02, 2017 6:42 am من طرف بن عامر لخضر
» مجموعة أطروحات دكتوراه دولة في الإقتصاد.
الجمعة مارس 31, 2017 9:25 pm من طرف yacine ha
» بعض من مؤلفات الدكتور محمد الصغير غانم
الثلاثاء مارس 21, 2017 8:42 am من طرف cherifa cherifa
» ربح المال مجانا من الانترنت
السبت فبراير 25, 2017 9:15 am من طرف mounir moon
» موسوعة كتب الطبخ
الجمعة فبراير 24, 2017 4:43 pm من طرف mounir moon
» cours 3eme année vétérinaire
الجمعة فبراير 24, 2017 4:38 pm من طرف mounir moon
» اين انتم
الإثنين فبراير 13, 2017 2:47 pm من طرف guerna noureddine