للمرأة حق

من طرف عاشق الخلافة الإثنين أبريل 12, 2010 6:15 pm

بسم الله الرّحمن الرّحيم
للمرأة حقّ قبول الزواج أو رفضه

إنّ مما يميت القلب من كمد، إن كان في القلب إسلام وإيمان، أن يرتضي جمع من المسلمين أن يكونوا حجة على الإسلام بدلا من أن يكونوا حجة له. فقد انساق هذا الجمع، غفر الله له وأصلح حاله، وراء عصبية قبلية ووطنية منتنة، وانقاد لمفاهيم عرفية من تقاليد وعادات مغلوطة، فتجاهل أحكام الإسلام العادلة، وأنكر ما أعطاه الله ربّ العالمين جلّ جلاله من حقّ للمرأة في قبول الزواج أو رفضه.

فلا عجب إذن أن تكال التّهم للإسلام، وأن يطعن في القرآن الكريم، ويستهزأ بالسنة المشرّفة، ويقال عن هذا الدين الحنيف باطلا: إنّ الإسلام ينتقص من المرأة ويبخسها حقّها. ولا عجب أيضا، أن تتستر بعض الحكومات الغربية بقناع حقوق الإنسان والمرأة، وأن تستغل سوء تطبيق بعض المسلمين لدينهم، فتعتزم تشريع قانون يمنع الزواج من الخارج بعامة، وبين أبناء العمومة والخؤولة بخاصة.

والحقيقة، أنّ الإسلام جعل للمرأة إذا خطبت حقّ قبول الزواج أو رفضه، وليس لأحد من أوليائها، ولا من غيرهم، تزويجها بغير إذنها، ولا غصبها على الزواج من غير الذي ترضاه، ولا منعها من الزواج متى طلبت ذلك. أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس: أنَّ رسول الله r قال: «الأيِّم أَحَقُّ بنفسها من وَلِيِّها، والبكْر تُسْتَأمر في نفسها، وإذنها صُماتُها». وفي رواية عند البخاري قوله r : «البكر تستأذن»، والاستيذان مناف للإجبار. وأخرج البخاري عن خنساء بنت خذام الأنصارية: «أن أباها زوجها وهي ثيِّب فكرهت ذلك، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها». وأخرج أبو داود عن ابن عَبّاسٍ: «أَنّ جَارِيَةً بِكراً أَتَت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنّ أباها زَوّجَهَا وهي كارِهة فَخَيّرَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم». وأخرج النسائي عن عائشة: «أن فتاة دخلت عليها فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أَعْلَم أللنساء من الأمر شيء». وفي رواية عند ابن ماجه عن ابن بريدة، عن أبيه قال: «جاءت فتاة إلى النَّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم. فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال، فجعل الأمر إليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي. ولكن أردت أن تعلم الآباء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء».

وفي هذه الأحاديث دلالة على تحريم إجبار الأب لابنته على زواج لا ترضاه، وفيها أيضا دلالة على أنّ المرأة المكرهة على الزواج مخيّرة فيه بين أن تقرّه وتمضيه وبين أن تبطله وتفسخه.

وأمّا حرمة منع المرأة من الزواج من مسلم يُرضى دينه وخلقه متى طلبت ذلك، وهو ما يسمى بالعضل، فثابتة بالقرآن والسنة. قال تعالى: )فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(.(البقرة 232)وأخرج البخاري عن معقل بن يسار قال: «زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: )فلا تعضلوهن( فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال فزوجها إياه». وأخرج الترمذي عن أبي حاتمٍ المُزنيِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم: «إذا جاءكمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ فأنكحوهُ، إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ. قالوا يا رسولَ اللهِ! وإن كانَ فيهِ؟ قال: إذا جاءكمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ فأنكحوهُ، ثلاثَ مرَّاتٍ».

إلاّ أنّ هذا لا يبطل حقّ الولي، أبا كان أم غيره، في الموافقة على الزواج أو رفضه، كما لا يبطل وجوب أن يعقد النكاح بموافقته مصداقا لقوله عليه الصلاة والسّلام الثابت الصحيح: «لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلِي» و «أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ».

ولسائل أن يسأل: ألا يوجد تعارض بين الأمرين أي بين حقّ المرأة في القبول والرفض، وبين حق الولي هو الآخر في القبول والرفض؟

والجواب هو: أنّ موافقة الاثنين معا على الزواج مؤذنة بحسن الاختيار واستمرار الحياة الزوجية السعيدة. ذلك أنّ الأصل في الموافقة من الطرفين أن تتم وفق مقياس واحد حدّده الشرع، ألا وهو الزواج من مسلم يرضى دينه وخلقه. فإذا أراد الولي تزويج ابنته ممن لا ينطبق عليه هذا المقياس، كان الخلل منه فيصحّح بما أعطاه الله للبنت من حقّ في اختيار الزوج. وإذا قبلت البنت الزواج ممن لا ينطبق عليه هذا المقياس، كان الخلل منها فيصحّح بما أعطاه الله للأب من حقّ تزكية الخيار. وأما إذا رضي الاثنان بمن ينطبق عليه هذا المقياس، فتلك الروعة، والسعادة المرتقبة.

إنّ هذا التشريع قمّة الروعة والرقي، وغاية الحسن والجمال لما فيه من انسجام بين الولي وابنته، فهو يتوافق مع حقيقة الأسرة المسلمة القائمة على واجب رعاية الولي وواجب طاعة البنت له تلقائيا. فليحرص المسلم على عدم تشويه روعته وحسنه بسلوك ناتج عن غير مفاهيم الدين الحنيف، ولا يكوننّ معول هدم لعقيدته الحقّ وما ينبثق عنها من نظم راقية.

وليتق الأولياء الله في بناتهم، ولتتق البنات الله في أوليائهنّ. وليكن سلوك الجميع وفق ما أمر الله ورسوله، وليس وفق عادات مغلوطة الشرع منها براء، أو وفق نزعات تحررية لا مقصد منها إلاّ هدم الأسرة المسلمة، ونشر الإباحية والرذيلة في البنات المسلمات العفيفات.

قال تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا(. (الأحزاب 36)