موضوع مهم جدا لطلاب العلوم السياسية والقانون

من طرف عاشق الخلافة الإثنين أبريل 05, 2010 3:24 pm

بسم الله الرّحمن الرّحيم
نظام الحكم في الإسلام (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاهأرسل الله سبحانه وتعالى رسوله عليه الصلاة والسلام برسالة خاتمة، تامة، كاملة، لتخرج الناس من ظلمات الضلال والهوى إلى نور الهدى والتّقى، فما ترك النبي صلى الله عليه وسلم في حياته من كبيرة أو صغيرة إلا بيّنها، وتوفي وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا ذكر للأمة منه علما، فمن قال قد بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار لم يبيّن لنا فقد ضلّ سواء السبيل ومرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية.قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}(النساء58-59). فدلّ هذا على أنّ لكلّ شيء يختلف فيه حكمه المفصّل في الشريعة، علمه من علمه وجهله من جهله، ولو كانت الشريعة ناقصة لما صحّ الأمر الربّاني العام بالردّ إليها. وممّا تضمّنته الشريعة الإٍسلامية، وجاءت النصوص الربانية والنبوية مبيّنة له، أمر الحكم والسياسة، وإليك البيان:1. قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (61)} النساء.2. وقال:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)} النساء.3. وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً(105)} النساء.4. وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}المائدة. وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}المائدة. وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} المائدة. 5. وقال:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} المائدة.فهذه بعض الآيات من القرآن الكريم تتعلّق بالحكم، وفيها الأمر بتطبيق حكم الله عزّ وجلّ، والنهي عن تحكيم الطاغوت (وهو كل ما عبد من دون الله). واعلم، أنّ الشريعة إذا جاءت بأمر أي بطلب فعل، أو بنهي أي بطلب ترك، بيّنت طبيعته من حيث الوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهية بما احتف به من قرائن، والأمر بتحكيم شرع الله فيما شجر بين النّاس للوجوب بقرينة ربطه بالإيمان. ومثال ذلك، فإن قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}، يجعل قضية تحكيم الشرع من الإيمان، وعدم تحكيمه من الكفر أو الفسوق والعصيان، وكيف لا، وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن المحكّم لغير شرعه الإيمان بقوله (لا يؤمنون) وأكّد ذلك بالقسم وبالتوكيد اللفظي.واعلم أيضا، أن الله عزّ وجلّ ربط قضية الحكم في القرآن الكريم به سبحانه، لذلك نجد لفظ الحكم عادة ما يقترن بالذات الإلهية للدلالة على قاعدة نصّ عليها الله سبحانه في القرآن الكريم حيث قال سبحانه وتعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} (الأنعام 57). ومن الآيات في هذا السياق قوله تعالى: {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص 70) وقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (الشورى 10)وقوله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الممتحنة 10)وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (النمل 78) وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وقوله: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (غافر 12). فقضية كون الشرع قد تضمّن ما يتعلّق بسياسة الناس ورعاية شؤونهم، واشتمل على أحكام تنظّم لهم السلطان، وترتّب لهم أمر الدولة شكلا ومضمونا، قضية يقينية معلومة من الدين بالضرورة. ومن نظر في القرآن والسنة القولية والعملية، وقف على حقيقة ما نقول، ووضع الإصبع على مئات النصوص المتعلّقة - بتعبير العصر - بالتشريع الحربي والسياسي والجنائي والاجتماعي والقضائي والاقتصادي والدبلوماسي وغير ذلك، مما يقطع بتضمّن الإسلام نظام حكم لا شبيه له ولا مثيل، هو أرقى ما عرفت البشرية.إلا أنّه وبعد أن قضي على دولة الإسلام سنة 1924م، أي الخلافة العثمانية، أزيح الإسلام من معترك الحكم والسياسة والقضاء، وأبعد عن المجتمع والدولة، فطبّقت أنظمة غير إسلامية، وركّز القائمون عليها فكر رقيها وصلاحيتها وعدم صلاحية الإسلام للتطبيق في هذا الزمن، فنبتت نابتة في هذا المنبت السوء، وظهر أناس يدّعون الإصلاح فمنهم من أنكر وجود نظام حكم في الإسلام كلّية وتبنى العلمانية صراحة، ومنهم من لا زال على إسلامه إلا أنّه تأثر بهذا الواقع الفاسد فأخذ يبشّر بنظم الغرب في بلادنا ويعرضها كأحكام لا بديل عنها ولا مناص منها حتى قال قائل منهم: إنّ الديمقراطية أفضل ما عرفت البشرية في الحكم. ونحن لا نرى الضير في قول من أنكر صلاحية الإسلام للتطبيق في هذا الزمن، إذ ليس بعد الكفر من ذنب، إنما الضير كلّ الضير في قول المسلم الذي يؤمن بالإسلام وبشريعته: إن الديمقراطية أفضل ما عرفت البشرية، مع علمه أن الديمقراطية يونانية غربية. فهل يقبل مسلم على نفسه أن تكون الديمقراطية أفضل الأنظمة التي تحكم البشرية دون الإسلام، وهل يقول عاقل: إن أفضل ما شرّع للبشر، شرّعه كافر من البشر، ولم يشرّعه ربّ البشر، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} المائدة؟ ترى، هل يفرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول، وهو الذي غضب من مجرد النظر في كتب الغير؟ عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أمتهوّكون (أي أمتحيّرون) فيها يا ابن الخطاب. والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية» (رواه أحمد والدارمي والبزّار وابن أبي عاصم في السنّة). أم هل يقرّ الإسلام أن نقتبس من شرعة الغرب نظام الحكم، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحدث تقرؤونه محضا لم يشب» (رواه البخاري عن ابن عباس)؟ إننا نقول: إنّ الإسلام لا يقرّ ذلك، والقول الفصل ما قاله محمد عليه الصلاة والسلام: «خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة» (رواه مسلم عن جابر).

يتبع إن شاء الله تعالى