منتدى طلبة جامعة الحاج لخضر- باتنة -
مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي 13401713

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى طلبة جامعة الحاج لخضر- باتنة -
مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي 13401713
منتدى طلبة جامعة الحاج لخضر- باتنة -
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي

اذهب الى الأسفل

جديد مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي

مُساهمة من طرف زائر الثلاثاء ديسمبر 23, 2008 1:45 pm

مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي

تأليف :

د. حسن محمد وجيه

تقديم :
هذا كتاب في »علم التفاوض الاجتماعي والسياسي « يسد نقصا واضحا في المكتبة العربية ، ويمثل إضافة مهمة في مجال الدراسات التي تدور حول فن التفاوض، فضلا عن أنه يعتبر نقلة نوعية ترتفع بذلك الفن إلى مستوى العلم الذي تحكمه قواعد واضحة ، وتتحدد له أصول معروفة ، لتكون مادته عونا للسياسيين والاقتصاديين ورجال الأعمال. فللتفاوض أسس وتقاليد لا تكاد تختلف كثيرا وفقا لطبيعة الموضوع الذي يجري حوله التفاوض ، فالمفاوضات رغم أنها علم وفن فإنها تمثل مهارة خاصة لدى بعض المفاوضين القادرين على تصور الهدف النهائي والانتقال إليه من مرحلة إلى مرحلة بعيدا عن التخبط والارتجال معتمدين على الفهم الواقعي جنبا إلى جنب مع قوة الخيال.
ولقد عكف الباحث المتميز الدكتور »حسن محمد وجيه « على دراسة جوانب هذا الموضوع بشكل رائد في ميدان الكتابة العربية ، وهو الذي يبشر من خلال كتاباته السابقة ومحاضراته المتعددة lحاولة جديدة لتأصيل علم التفاوض، مع التركيز على طبيعة الخطاب السياسي المعاصر ، بالإضافة إلى حفاوة خاصة بعامل اللغة وتأثير الصياغة في طبيعة مضمون الرسالة التي تحملها ، ولقد أعانه في ذلك تخصصه في العلوم السياسية ، مع تركيز خاص في العلاقات الدولية إلى جانب دراسته الأصلية في علوم اللغويات التطبيقية الحديثة. وهوما أعطاه ميزة خاصة في استخدام أدوات الحوار ووسائل التفاوض.
ولقد استغرق الباحث الخبير بدأب وموضوعية في تحليل الجوانب المتصلة بتنمية مهارات الأداء وأساليب التفاوض وأنماط الحوار حتى جاء كتابه هذا صفحات حافلة بالمادة العلمية الواضحة والتي لا تخلو-في الوقت نفسه-من عناصر الإثارة والتشويق.
إنني أقول وبحق-إن المؤلف يرتاد طريقا جديدا، ويسلك منهجا فريدا في محاولة جادة لتحديث علم التفاوض لدى القاريء العربي، وتأصيل قواعده وبلورة شخصيته، باعتباره علما وفنا في وقت واحد ، ثم هو بعد ذلك لا يتجاهل المظاهر السلوكية والجوانب النفسية في شخوص أطراف عمليةالتفاوض، وما تعتمد عليه من مهارات الحوار.
إن هذا الكتاب يقول باختصار ، لقد آن الأوان كي نخرج من دائرة العشوائية غير المدروسة ، إلى مرحلة جديدة نلحق فيها بعلوم العصر وفنونه في عالم تتغير فيه مظاهر الحياة بسرعة مذهلة ، وتتقدم البشرية كل يوم نحو الجديد... تحية للمؤلف الجاد والباحث اﻟﻤﺠتهد على كتابه ا لمتميز ودراسته الشائقة.


د. مصطفى الفقي
مدير معهد الدراسات الدبلوماسية
القاهرة-أبريل ١٩٩٤

مقدمة المؤلف

يهدف هذا الكتاب إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها التعريف بعلم التفاوض الاجتماعي والسياسي وتقديم عرض متكامل لما يمكن أن نسميه » بثقافة التفاوض ،« وهنا نقدم رصدا لأهم الأعمال والأدبيات النظرية البحتة والمتمثلة في نظريات المباريات التفاوضية ذات التوجه الحسابي ، وتلك التي تتناول الأبعاد السلوكية وتحليل شخصية المفاوض من منظور العلوم الاجتماعية اﻟﻤﺨتلفة ، وكذلك وتلك الأدبيات العالمية المبسطة والعملية المتمثلة في مطبوعات مشروع كمشروع جامعة هارفارد مثلا والتي لا تهدف فقط إلى تنمية مهارات التفاوض في اﻟﻤﺠالات السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية المتخصصة، بل وتنمية مهارات التفاوض على مستوى طلاب الجامعات والمدارس الثانوية أيضا.. وذلك إيمانا بأن هذا الأمر يعتبر من دعائم العمل بروح الفريق الواحد والذي يمثل في الواقع أساس أي أعمال تنموية لبلد ما..
أما الهدف الثاني فهو توضيح ذلك الإسهام الذي قدمه الكاتب من منظور تكاملي بين علوم اللغويات التطبيقية الحديثة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وهو المنظور الذي يطرحه الباحث كأحد روافد إرساء لبنات علم التفاوض على الصعيدين النظري والعملي المستمدين من تحليل الواقع المعيش. أماالهدف الثالث فهو تقديم رؤية نقدية لواقعنا الثقافي العربي وخريطة الاشتباكات الخاطئة به ، والهدف هو العمل على استيعاب ثقافة التفاوض ذات الملامح العلمية ، ولكن مع اعتبار حقل التطبيق والإسهام في إغنائها من خلال الاشتباك الإيجابي مع تعقيدات هذا الحقل ومصادره.
وفي نهاية هذه ا لمقدمة الموجزة أود أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى كل أساتذتي الأفاضل بجامعات الأزهر وتكساس وجورج تاون ، وأتوجه بالشكر الخاص لكل ا لمشاركين في دورات تنمية المهارات التفاوضية العديدة التي قدمتها في العديد من المؤسسات العلمية والجامعية والتدريبية ، ومنها معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية وشركات التدريب العربية الحديثة... فلقد كان للتفاعل البناء مع المشاركين في هذه الدورات من الدبلوماسيين والسفراء العرب وقيادات العمل الإداري العربي والمشاركين من ذوي التوجهات اﻟﻤﺨتلفة أكبر الأثر الإيجابي في تعمق كثير من قضايا وظواهر العملية التفاوضية المعقدة بطبيعتها.


يتبع >



[center]الجزء الأول
الأهداف والمنظور العلمي

الهدف من الدراسة وموجز لمحتواها

أولا: أهداف الدراسة
يهدف هذا الكتاب إلى الإسهام في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية ، الأول هو التعريف بعلم التفاوض الاجتماعي والسياسي من حيث المفاهيم والأسس والأدوات والمسائل الخاصة به كعلم تمازجي/ تكاملي »تنموي « جديد آخذ في التشكل ، وكذلك توضيح طبيعة التوجهات الخاصة بالباحثين في العلوم الاجتماعية اﻟﻤﺨتلفة للإسهام في تطوير ذلك العلم على الصعيد النظري.
وهذا العلم التمازجي الجديد من أهم العلوم التي يهتم المتخصصون في علوم الاجتماع واللغويات وعلم النفس والإدارة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وعلم الأجناس بالإسهام فيه والتنظير له وتنبع أهمية هذا العلم من كونه علما يتعلق بقضايا جوهرية ومهمة لبناء اﻟﻤﺠتمعات على النحو الأفضل، فهو-إذن-علم حيوي لعملية التواصل بين أفراد اﻟﻤﺠتمع داخل كل دولة وبين أفراد اﻟﻤﺠتمع الدولي على اتساعه... فهو ذلك العلم الذي نهدف من خلاله إلى التعرف على أفضل وسائل تكوين الأرضيات المشتركة والتفاهم الفعال بين بني البشر رغم اختلافاتهم وثقافاتهم وعقائدهم. إنه العلم الذي نحاول من خلاله تجنب تفجير الصراعات والجدل العقيم الذي يستنفد الوقت والجهد البشري في غير الصالح العام ولا يتناسب حاليا مع سرعة إيقاع العصر ومتطلباته على جميع الأصعدة. والمتخصصون في هذا العلم يحاولون توضيح المقصود بالتفاوض وأهميته وكذلك تحديد مبادئه في كافة اﻟﻤﺠالات; مثل اﻟﻤﺠال الإداري واﻟﻤﺠال السياسي والدبلوماسي ، وغيره من مجالات التفاعل اﻟﻤﺨتلفة. وكذلك يقدم اﻟﻤﺨتصون في هذا العلم تصوراتهم العلمية لخطوات ومناهج ومدارس ومباريات واستراتيجيات التفاوض وما يتمخض عن ذلك من أساليب ومصطلحات لتدريب وتثقيف المعني _ بالتفاوض عليها. أما الهدف الثاني فهو محاولة لتقد يم عرض نقدي متكامل لما يمكن أن نسميه بثقافة التفاوض ، وهنا نقدم رصدا لأهم الأعمال والأدبيات النظرية البحتة وتلك الأدبيات التي تتوجه للمواطن الأوروبي والأمريكي شارحة الأسس العلمية والعملية لتنمية مهارات التفاوض ، وذلك بتبسيط التعقيدات التي تصاحب العملية التفاوضية بدعوى حقيقية ، وهي أننا نتفاوض اجتماعيا وإداريا وسياسيا واقتصاديا ، وفي مجالات أخرى كثيرة، وعلى مستويات متعددة مع بعضنا البعض ، مادام الأمر قد استلزم إقناع طرف ما بعمل شيء ما وتعارضت أهداف أو »أجندات « المتحاورين أو اختلفت أساليبهم في معالجة هذا الأمر أو ذاك... وهنا نستعرض مضمون أهم الكتب المتمخضة عن مشاريع دراسة العملية التفاوضية ، مثل مشروع جامعة هارفارد الأمريكية وغيره من الأعمال والجهود المماثلة.. ونتطرق إلى معالجة ما المقصود بعمليتي التفاوض والتساوم ، وما الفرق بينهما... إلى آخره من المفاهيم والمشاكل المتعددة الأخرى المصاحبة لعملية التفاوض ، في ظل الظروف العادية ، أو في ظل الأزمات الممتدة أو تلك المواقف المتأزمة التي قد نتعرض لها من حين لآخر في سياقات متعددة. والهدف من كل هذا هو التعرف على كيفية البحث عن الأرضيات المشتركة بهدف الوصول إلى أفضل والاتفاقات الممكنة التي من شأنها أن تتيح لنا أن نرتفع لمستوى أدائنا الحواري والتركيز على حل ا لمشاكل دون الاصطدام السلبي بالأشخاص وتجنب حالات سوء التفاهم، خاصة غير المقصودة ، وأن نتجنب كل ما يعمق الصراعات دون مبرر حقيقي ، وبكلمات أخرى فإنه من المتعين علينا أن نتعامل مع بعضنا البعض من منطلق مباراة التفاوض الرئيسية وهي ما تعرف بتعبير »اكسب اكسب( Approach Win Win) «، وهي التي تجعلنا ندخل لعملية التفاوض بعد أن نكون قد تعرفنا تماما اهتمامات الطرف الآخر الرئيسية لكي نأخذها بعين الاعتبار للوصول إلى صيغة يكسب منها الجميع بصورة واقعية. وبتبني هذه المباراة عليناأن نتجنب »المباراة الصفرية Zero-sum Gam) « اللاتفاوضية في حقيقتها (بالمعنى الإيجابي المفهوم) وهي التي تصل فيها عادة درجة الصراع إلى تبني منطق تعامل مفاده: لا بد أن أجعل الطرف الآخر يخسر كل شيء وأن أكسب أنا كل شيء، وطبقا لقواعد هذه المباراة فإن المتحاورين يؤمنون بأن إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي لا تحتمل حلولا وسطا-أي أن الأمر ينبغي أن يكون إما رفضا مطلقا أو قبولا مطلقا.. »إما قاتل أو مقتول« ، و يمثل قرار الدخول في مثل هذه النوعية الصفرية من »المباريات « النقيض التام لأي محاولة إيجابية لإدارة الحوار التفاوضي اجتماعيا وسياسيا ،
فمفهوم المنافسة والمسابقة طبقا لهذه النوعية من المباريات لا يكون عادة من خلال الاستعداد والارتفاع بقدرات ومهارات الأداء التفاعلي ، وبذل الجهد المطلوب لتحقيق الهدف بطريقة شرعية وإنسانية، بل إن الفوز عادة ما يتحقق طبقا لتلك المباراة الصفرية من خلال تدمير وتشويه الآخر.. أي أنها مباريات قد تصل في تصاعدها إلى النقطة التي يتحول فيها الحوار إلى مباريات »ثقافة الإرهاب « والتي قد يستبدل فيها بالحوار لغة العنف والرصاص. ويرجع أمر تبني » هذه المباراة الصفرية « من وجهة نظر كاتب السطور ليس فقط إلى توافر عامل الشراسة وسوء النية أو صفات غير أخلاقية أخرى لدى البعض، ولكن يرجع في كثير من الحالات إلى افتقاد القدرة العلمية والعملية على فهم تعقيدات وطبيعة الحوار التفاوضي التي تستلزم تقنيات ومهارات وكفاءات الحوار وعملية التواصل بأبعادها اﻟﻤﺨتلفة مثل كفاءات الحوار اللغوية النفسية ( Psycholinguistic Competenc ) واللغوية الاجتماعية ( Sociolinguistic C ) واللغوية الدبلوماسية ( Diplomatic.C ) واللغوية العرقية .(Ethnolinguisti C(١) ويرى كاتب السطور أن غياب »ثقافة التفاوض « التي تبنى أساسا على مباراة »اكسب اكسب « أو »المحصلة ليست صفرا « تعتبر من أسباب شيوع المباراة الصفرية... والافتراض أنه إذا ما توافرت وشاعت صيغ المباريات غير الصفرية وهي المباريات التفاوضية الإيجابية بصفة عامة لأدرك الجميع أن الناتج في النهاية وعلى المدى البعيد إيجابي للأطراف كلها ، وهذا هو الدافع إلى الدعوة بأن نتعاون جميعا على تأصيل أسس ومنطلقات وديناميات ثقافة التفاوض. وفيما يلي موجز لأهم الأسس العامة التي ينبغي تعرفها إذا كنا بصدد تعمق فكرة »ثقافة التفاوض :«
أولا: التركيز على حل المشاكل وتجنب التعرض للأشخاص بأي نوع من التشويه... أي تحري الموضوعية وتجنب الشخصانية في تناول المسائل.. وامتداح العمل الحسن بغض النظر عن الشخص الذي قام به ، والاهتمام بالآخرين ومصالحهم وأعمالهم.
ثانيا: تنمية حاسة الاستماع الجيد للآخرين ، وهذا يتطلب تجنب هيمنة الافتراضات المسبقة التي نرسمها في أذهاننا عن البعض ، بل ننتظر ونتأكد .ا نسمعه ونستوضح أي غموضا حتى نتأكد قبل إصدار أي حكم أو التفوه بأي كلام.. وأمر حسن الاستماع يتخطى الصمت وهز الرأس ، ولكنه يستلزم قدرات خاصة باستيعاب ما يقال وتخزينه في الذاكرة بصورة منظمة لاسترجاعه في الوقت المناسب في الحوار، وكذلك مقاومة القابلية للاستهواء ، أي قابلية تصديق أفكار الآخرين بتسرع دون دليل أو برهان قوي.
ثالثا: تعرف طبيعة ملامح حوارية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- أصول إقامة الحجج ، وكيف نستخدمها إيجابيا لصالح التفاوض وليس لصالح »هزيمة الخصم أساسا «وترك هذا الإحساس لديه ، وكذلك أهمية تأمل أساليب إقامة الحجج اﻟﻤﺨتلفة في الثقافة الواحدة ، وعبر الثقافات ، وكيفية التعامل مع الأنماط التي تجسد التسلط في الحوار(٢).
ب- تعرف وظائف »الصمت «في الحوار التفاوضي، فهذا من الأمور المعقدة التي تحتاج إلى إبراز الدراسات الخاصة بها. فكم من حالة من حالات سوء التفاهم قد نشأت بسبب عدم الإلمام بوظائف وديناميات الصمت ، سواء في الحوارات داخل الثقافة الواحدة أو عبر الثقافات ( وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل في الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب).
ج- تعرف الاستخدامات الإيجابية لعامل الوقت وتعرف التعامل الإيجابي من الآخرين الذين قد يوظفون »الوقت « في غير صالح العملية التفاوضية سواء في الأداء اللفظي أو الكتابة.
د- تجنب الأسلوب غير المباشر في الأمور التي تحتاج إلى توضيح دقيق ، وتجنب الغموض خاصة في اللحظات الحاسمة للتفاعل والإدراك الجيد للاختلافات الثقافية والفردية في توظيف الأساليب غير المباشرة في الحوار ، وعلى وجه الدقة ميكانزمات الغموض ) انظر الفصل الثالث عشر).
رابعا: تجنب أساليب المغالطات، والدفاع عن الأوضاع الخاطئة ، أو عدم الاعتراف بالخطأ إذا وقعنا فيه.
خامسا: تجنب التقوقع داخل الذات ، والخوف من المواجهة الإيجابية مع الآخرين.
سادسا: انتهاج مبدأ »تحقيق الممكن « وتجنب »السقوط في الحب النظري للكمال « إلى الحد الذي يجعل المتحاور يترك فرصة تحقيق الأهداف العادية والممكنة ، وتجعله يسقط في براثن »التفكير السحري «ويعتقد أن شيئا واحدا سيحل كل مشاكل العالم دون النظر لتعقيدات الأمور وحيثيات التطبيق المنطقية ، دون استنفاد كل السبل لتحقيق» الممكن .«
سابعا: تجنب التفكير الأحادي لأنه يجعل المتحاور سجين فكرة ، دون النظر لمنظومة الأفكار الأخرى خاصة الجديد منها ، فهذا التفكير يحد من ظهور البدائل المتاحة للمتحاور ، ويجعل هذا المتحاور أو ذاك يغلق على نفسه الباب أمام مجالات وبدائل وآفاق عديدة.
ثامنا: أهمية تحديد النقاط التي يمكن التفاوض بشأنها والتي تؤسس الأرضية المشتركة مع الآخرين بقدر الإمكان. وهنا يتضح إمكان التفاوض على عدة نقاط من خلال نقطة واحدة تكون محورية وهنا نسأل أسئلة مثل:
هل هذه النقطة مهمة? وما مدى أهميتها?.. وهل يمكن أولا التفاوض بخصوصها أم لا? وماأنسب الوسائل للاستعداد للطرف الآخر أو للخصم إذا أثارها?
تاسعا: أهمية تحديد أولويات التفاوض، وهنا علينا تحديد أهمية ووزن كل نقطة ومن ثم تحديد أولويات التحدث بشأنها ، وتصديرها على قائمة موضوعات النقاش، أو تهميشها ، أو السكوت عنها. وهل نبدأ بالمشكلات الرئيسية أو الفرعية ، والأمثلة المتمخضة عن عدم التوظيف السليم لهذه النقاط في حوارات واقعنا الثقافي كثيرة ومتعددة.
عاشرا: أهمية تقييم الموقف التفاوضي دائما لتعرف المستجدات التي حدثت أثناء العملية التفاوضية ، والتكيف مع هذه المستجدات بالطريقة التي تجعلك تحقق أهدافك ومراعاة أهداف الطرف الآخر قدر الإمكان ، أي تجنب الأجندة الإستاتيكية الثابتة خاصة في الأمور الفرعية.
حادي عشر: تجنب سوء الظن بالآخرين ، والوقوع في براثن التفكير التآمري والتصنيف المتعسف وتأطير الآخرين بجهالة ودون ترو مطلوب ، والأخذ بتلابيب الأمور ، والتصرف بصيغة فاعلة تضرب التآمر إن وجد بالفعل ، و بهدوء دون إحباط وشكوى ويأس (راجع الجزء الثاني، الفصل التاسع لمزيد من التفاصيل).
ثاني عشر: تعرف وظائف وآليات الأسئلة تماما بهدف الاستفادة من دورها في إنجاح العملية التفاوضية; فإن استخدامنا للأسئلة في عملية التفاوض قد يكون لهدف أو لعدة أهداف كثيرة ومعقدة ، وسنتناولها بالتفصيل في الجزء الثالث من هذه الدراسة (الفصل الحادي عشر).
ثالث عشر: مراعاة أسلوب وطريقة الحوار مع الآخرين والملائمة للسياق ، فإن الطريقة التي تتحدث بها قد يكون لها قيمة أكثر من الكلام الذي تقوله من حيث حركات اليد وتعبيرات الوجه ، ومستوى ارتفاع الصوت وسرعة أو بطء تدفق الكلمات والتعبيرات.
رابع عشر: مراعاة كم المعلومات التي يُلقى بها على ساحة الحوار ، ولا بد أن نتحلى بصفة وهي ألا نقول أكثر .ا يتطلبه الحوار ولا أقل ، بل علينا أن نزن الأمور بالأسلوب الذي يتيح النجاح للعملية التفاوضية. ومن المهم كذلك الإيفاء بما نعد به أي أن يكون للكلام قوته أو معقوليته على ساحة التنفيذ والالتزام.
خامس عشر: أهمية توثيق أحداث التفاوض في اﻟﻤﺠالات اﻟﻤﺨتلفة ومقارنتها بالأهداف عند بدء الدخول للتفاوض ، وعلينا أن نتذكر دائما أن أمر التفاوض من الأمور المستمرة مدى الحياة ، وأننا نستطيع أن نتطور دائما وأن نطور من أساليبنا بعد التجارب اﻟﻤﺨتلفة ، وهذه خاصية يتحلى بها كل من ترسخت في عقليته »ثقافة التفاوض .«كانت هذه هي بعض الأسس التي سنتناولها بالتفصيل ، في أجزاء هذا الكتاب.
أما الهدف الثالث من هذه الدراسة فهو تقد يم رؤية للحقل الثقافي العربي ، والاشتباكات الخاطئة به ، وظواهر الحوار السائدة في تفاعلاتنا والتي تتسم في أحيان كثيرة-مع الأسف-بالنزوع إلى »المباراة الصفرية « اللاتفاوضية ، وإلى خواص »ثقافة التصارع والتناحر ، الأمر الذي لم يمكنا من تفويت الفرصة على أعدائنا وخصومنا ، وأضاع علينا فرصا كثيرة في التقدم والنمو الحقيقي، من ثم فإن هذا الهدف الثالث من وراء هذا الكتاب هو محاولة تعميق الإحساس بأسس ثقافة التفاوض مع اعتبار معطيات حقل التطبيق العربي وخصوصياته ، وهذا من شأنه ترسيخ قواعد وأسس عملية وعلمية >ارس من خلالها المباراة الديمقراطية وتعرف كيفية إيجاد الأرضيات المشتركة اللازمة لأي جهد جماعي تنموي جاد ، فإذا كان العالم المتقدم قد أدرك أهمية هذه »الثقافة الآنية والمستقبلية « (وهذا ما يعكسه ذلك الكم الآخذ في النمو من المشاريع والكتب وحلقات الدراسة الخاصة بهذه »الثقافة « العالمية ، فما
أحوجنا نحن خاصة في إطار ظروف التقهقر الحضاري الراهن في عالمنا العربي والإسلامي إلى تعرف أساليب استيعاب هذه الثقافة تماما ، بل علينا أن نسهم في تطويرها من واقعنا وقيم حضارتنا العريقة وهنا نكون قد أسهمنا أيضا في تطوير علم التفاوض الاجتماعي والسياسي من خلال الاشتباك الإيجابي مع تعقيدات واقعنا ، وهذا بدوره سيكون له أثره الإيجابي سواء على صعيد التحاور البناء ب _ أبناء أمتنا على اختلاف توجهاتهم، أو بتحقيق النجاح في التفاعل المؤثر مع الآخرين من الثقافات الأخرى.

يتبع >

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جديد رد: مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي

مُساهمة من طرف زائر الثلاثاء ديسمبر 23, 2008 1:47 pm

مقدمة في علم التفاوض
الاجتماعي والسياسي

تمهيد:
إذا كانت هذه الدراسة تحاول طرح مفهوم» ثقافة التفاوض « كما أوضحنا آنفا، فلابد لنا أن نقدم بعض التفاصيل المهمة عن تلك المحاور أو الدعائم الرئيسية التي تنبني عليها هذه الثقافة، وإذا كان تعبير »الثقافة « يفرض في المقام الأول تراكم نوع من السلوكيات والممارسات ، فيكفينا الإشارة هنا إلى أن تطورات عالم مايسمى »بالقرية الكونية « قد زادت من حجم إجراء دارسة المفاوضات بصورة لم يسبق لها مثيل، إذ يقدر عدد= العمليات التفاوضية بنحو عشرة آلاف عملية تفاوض رسمية أو شبه رسمية في جينيف وعدد مماثل في نيويورك في العام الواحد فقط، هذا بالإضافة إلى الحجم الضخم والرسمي لعمليات التفاوض في كافة اﻟﻤﺠالات سواء على المستوى الداخلي في كل قطر من أقطار العالم، أو على مستوى التفاوض بين دول العالم وثقافاته اﻟﻤﺨتلفة،
هذا بالإضافة إلى حجم التفاوض غير الرسمي الذي لا يمكن حصره في كافة قطاعات الحياة. كل هذا يمثل بطبيعة الحال الشكل العام والمكثف لثقافة التفاوض من حيث الممارسة، والتي قد تكون مبنية على الخبرة والإحساس بعملية التفاوض، أو مبنية على العلم والتعليم والتدرب على تقنيات عمليات التفاوض. وهذا المحور هو المحور الثاني الآخذ في التشكل الذي تنبني عليه ثقافة التفاوض من المنظور العلمي. وهو محور يتخصص فيه عدد قليل من الخبراء المنظرين، وهم بمحاولاتهم المستمرة للتنظير في هذا اﻟﻤﺠال يسهمون في تأسيس علم التفاوض. وهنا نجد العديد من الأدبيات التي تطرح مفاهيم وظواهر التفاوض، وتقدم التحليلات اﻟﻤﺨتلفة لها وتجد دراسات عديدة في الآونة الأخيرة عن هذا العلم ، تصب نتائجها إما في مجال محدد بعينه كاﻟﻤﺠال القانوني أو السياسي أو الاجتماعي ، والإداري أو الاقتصادي. كذلك هناك دراسات لها نتائج تتعدى مجالا واحدا بعينه ، وتهم كل المفاوضين في أكثر من مجال ، وربما دفع هذا الأمر العديد من الدوائر السياسية والدبلوماسية ،
وكذلك المؤسسات العديدة على مستوى العالم إلى تصميم وطرح برامج خاصة لتحسين أداء المفاوضين الممارسين بالفعل على عمليات التفاوض أو طرح برامج تدريبية لتقديم فن وعلم التفاوض لقطاعات من الإداريين والدبلوماسيين وغيرهم، ولعل من أشهر هذه البرامج مشروع جامعة هارفارد للمفاوضات بالولايات المتحدة ، والذي سنتعرض له بقدر من التفصيل فيما يلي تحت عنوان »التفاوض في اﻟﻤﺠال الاجتماعي والإداري « بهذا الفصل، وكذلك مجموعة المشروعات الخاصة بالمفاوضات الدبلوماسية في الأكاديميات والمعاهد الدبلوماسية على مستوى دول كثيرة في عالمنا إلا أننا مازلنا على الساحة العربية بحاجة كبيرة إلى مشروعات من هذا القبيل ، ولو أننا قد بدأنا نشهد اهتماما حثيثا ولا بأس به ، ليس في الواقع على مستوى المشروعات التي نتحدث عنها، ولكن على مستوى إعداد وطرح دورات تدريبية عن التفاوض من قبل بعض المؤسسات العربية التدريبية ويأتي في مقدمتها خاصة في اﻟﻤﺠال الإداري شركات التدريب العربية الحديثة (٣).
وإذا كان من أهم أهداف دراستنا هذه أن نسهم في تأسيس علم التفاوض الآخذ في التشكل الآن من خلال الاشتباك مع واقعنا الثقافي وحيثياته التي تمثل الحلقة الثالثة في مشروع كاتب السطور نحو هذا الهدف منذ عام ١٩٨٤ - كما سيلي توضيح ذلك في نهاية هذا الفصل-فإنه من المتعين والمهم أن نحاول أولا تقديم رصد لأهم الأدبيات التي صدرت من العديد من الخبراء أسهموا ويسهمون بدراساتهم في تأسيس وتأصيل هذا العلم، ولقد وجدت أنه من الممكن تصنيف هذه الجهود بأكثر من طريقة ووجدت أن أفضلها هو التصنيف النوعي ، وهذا يمكن أن يكون من حيث التوجه العلمي.. أي ما جاءنا عن نظريات التفاوض من علم الاجتماع مثلا، وما جاءنا من علم العلاقات الدولية أو علوم اللغويات التمازجية/ التكاملية الحديثة ، وفي أي مجال جاءنا هذا الإسهام.. أي هل جاء في مجالات التفاوض السياسي أو الإداري أو الاجتماعي أو القانوني?! كذلك نتساءل هل كان التناول فيما يخص عملية التفاوض بين أفراد ثقافة واحدة أم عبر الثقافات اﻟﻤﺨتلفة?! وإلى أي مدى صلح أو قد يصلح إسهام ما لأكثر من سياق أو مجال من مجالات التفاوض اﻟﻤﺨتلفة?! أي إلى أي مدى يمكن أن تفيدنا نظريات أو تحليلات لعمليات التفاوض السياسي في التفاوض الاجتماعي أو الإداري أو العكس?!

ولكن بماأن إسهاما كإسهام خبراء العلاقات الدولية والعلوم السياسية على سبيل المثال كانت جذوره في بعض الأحيان مستمدة من نظريات في علم الاجتماع السياسي أو علم الأجناس أو علم النفس ، والعكس قد يكون صحيحا ، فإنني وجدت وبحكم تخصصي في كل من اللغويات والعلوم السياسية والعلاقات الدولية أن العلوم الاجتماعية لا بد أن تتكامل ، لأن كلا منها على حدة يمثل جزيرة منعزلة ، فتحليل الظاهرة الاجتماعية من منظور أحادي يمثل قصورا راهنا كبيرا. ومن ثم فإنني أرى أن أمر انعزال العلوم الاجتماعية الراهن كما لو كان بمثابة وجود أكثر من مهندس وأكثر من مجموعة عمال وكل منهم يبني( على حدة ) وعلى قطعة الأرض نفسها المبنى نفسه وأقصد بهذا »المبنى « التعامل مع الظاهرة الاجتماعية. ولنا هنا أن نتصور مثل هذا » المبنى « الناتج عن جهود كل مجموعات العمل اﻟﻤﺨتلفة والذي تشيد أجزاؤه بهذه الطريقة.. بالقطع سيكون مبنى (في أفضل الظروف) لن تعرف له مدخلا من مخرج ولن يكون صالحا للإقامة والانتفاع به على النحو المطلوب ، ومن ثم فإن مدخلي للإسهام في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي لا بد أن يكون تكامليا أو تمازجيا كما سأوضح ذلك بصورة أكثر تفصيلا فيما يلي. وأعود الآن إلى موضوع تصنيف أدبيات التفاوض ، وبعد ما ذكرته فإنني أفضل ألا يكون وعاء التصنيف هو العلوم الاجتماعية اﻟﻤﺨتلفة كلا على حدة ، ولكن من منطلق التوجه التكاملي/ التمازجي ، أريد أن أتناول أهم هذه الأدبيات من منظور تصنيفي آخر ، وهو تصنيف تكاملي عبر مجالات العلوم الاجتماعية من خلال محاور ثلاثة قد تكون في أحيان كثيرة متداخلة ولا بد أن يلم بها المهتم بهذا العلم ، وكذلك المفاوض الممارس وهي:
أولا: محور التفاوض مع التركيز على منظور نظريات المباريات.
وثانيا: التفاوض مع التركيز على تحليل أبعاد وزوايا التفاعلات السلوكية بصورة شاملة ودقيقة في العملية التفاوضية.
ثالثا: التفاوض مع التركيز على تحليل شخصية المفاوض أساسا.

أولا: محور التفاوض من منظور نظريات المباريات Game theories
من المحاور المهمة للتحليل ألتقييمي للعملية التفاوضية وإدارة الأزمات وكذلك للإعداد الجيد النظر إليها من خلال ما يعرف بنظريات المباريات( ٤) Game theories) )وهنا نشير إلى أهم النماذج التي تمخضت عنها مثل هذه النظريات التي وضعها خبراء التفاوض، والمعروفة بتعبير نماذج المباريات Game Models) ) وهي كما يلي:

- نماذج المنفعة أو الوصول إلى تسوية أو حل : Utility Models
وهذه النوعية من النماذج التحليلية لعملية التفاوض تستخدم للتركيز على المنافع أو »البضائع « التي سيتم الحصول عليها من خلال عملية التفاوض حيث يتم وصف عملية التساؤم بالإشارة إلى المنافع التي سوف نحصل عليها أو سيتم تجاهلها. وهذه النماذج توظف في الحالات التي يريد كل طرف الحصول من خلالها على البضاعة نفسها أو المنفعة نفسها أو الشيء نفسه أيا كان ، أو ينشأ نوع من الصراع يتم حله من خلال سلسلة من الاقتراحات الخاصة بكل طرف ويتم من خلالها نوع من المقايضة ، وتنتهي عملية التفاوض بقبول طرف لأحد المقترحات التي قدمها طرف ما. والأمر الذي يرجح استخدام هذه النماذج هو وجود رغبة حقيقية وقوية مشتركة لأطراف التفاوض تفضل الوصول إلى اتفاق يحصل فيه الطرفان على شيء ما بدلا من لا شيء ، وتتلاشى هنا الرغبة في الصراع والتناحر وتكبيد الخسائر الفادحة لكل طرف من قبل الطرف الآخر. وتتمحور الجهود هنا نحو الوصول إلى أفضل تسوية أو حل .كن وتجنب أسوأ تسوية .كنة. ولقد أخضعت عملية تحليل هذه النماذج كغيرها من النماذج المتمخضة عنها نظريات المباريات إلى المعادلات الرياضية البحتة (٥).

- نماذج التفاعل الاستراتيجي : Models of Strategic Interaction
وهي تلك النماذج التي يركز المفاوضون فيها على تحديد الاستراتيجيات التفاوضية المتاحة لأطراف المباراة ، حيث ينظر كل لاعب (أو مفاوض) هنا إلى محاولة تعظيم المنافع والمكاسب من خلال استراتيجيات محددة ، وكذلك تحديد تلك الاستراتيجيات التي تقلل-إلى أكبر قدر .كن-من أي خسارة متوقعة نظير الدخول في مثل هذه المباريات التفاوضية ، وبالتالي فإن هذا الأمر يختلف عن نماذج المنفعة ( Utility Models ) (أو ما يمكن ترجمته وظيفيا بتعبير » نماذج الوصول إلى حل أو تسوية «) في أن نماذج التفاعل الاستراتيجي يتم التركيز من خلالها على تحديد الاستراتيجيات التفاوضية لتعظيم المنافع وتقليل الخسائر لطرف ما ، وهنا يتشابه الأمر بلعبة الشطرنج ، فكل طرف يوظف استراتيجياته طبقا للاستراتيجيات التي يوظفها الطرف الآخر ويكون الناتج هنا هو خليطا لغمار توظيف كل طرف من الأطراف لاستراتيجيات وتحركات بعينها واستخدامه البدائل المتاحة له لتحقيق ناتج في صالحه. وبالتالي فإن اللعبة أو المباراة تعتمد على مفهومين رئيسيين وهما »البحث عن المعلومات « و » كيفية الاستفادة منها وتوظيفها لتحقيق تأثير ما يريده طرف ما على الآخر. وهنا يسعى كل طرف للفهم العميق والدقيق للظروف والعناصر والمصادر والتقديرات التي تقود أو تحدد اتجاه طرف ما لاختيار ما في أثناء المباراة التفاوضية.

و المفهومان: »المعلومات « و »التأثير الأفضل « الذي يحاول مفاوض ما ممأرسته على الآخر ، يختلطان بصورة كبيرة ، فما يمثل محاولة للتأثير في الطرف الآخر يكون في الوقت نفسه بمثابة تقديم معلومات للخصم أو للطرف الآخر. وبالعكس ، فإن استجابة طرف ما لتكتيكات التأثير التي يحاول .ممأرستها الخصم تمثل بدورها مصادر معلومات للطرف الذي يمارس محاولة التأثير لصالح أهدافه. وقد تكون المعلومات التي يتم الحصول عليها أو الإفصاح عنها حقيقية وقد تكون كاذبة في مثل هذا النوع من التفاعل. وفي مثل هذه النماذج من التفاوض تستخدم كافة أنواع الأدوات الحوارية وغير الحوارية بها في ذلك-كما في حالات التفاوض السياسيين تحريك القوات وتوجيه تهديدات وإنذارات نهائية واستدعاء سفراء وغير ذلك من التحركات التي تهدف إلى .ممارسة الضغوط التي تهدف إلى تكييف أو تغيير أو إخضاع الطرف الآخر. والاستراتيجيات التفاعلية هذه تتضمن تكتيكات عديدة وتصنف على كونها إمااستراتيجيات قهرية ، والهدف منها إجبار الخصم أو استراتيجيات استجابة تنازلية أو قبول بالخضوع التام .(Accomodative moves) (٦) وفي هذا الصدد عادة ما توظف الأطراف المتفاوضة خليطا من هذه الاستراتيجيات في العملية التفاوضية خاصة في الأزمات الدولية ، وكذلك في الأزمات الاجتماعية والإدارية حسب سياق المتوقف ، فأحيانا يتم توظيف استراتيجيات وتكتيكات استجابة وتنازل وخضوع عندما يريد طرف ما الوصول إلى تسوية أو حل لصراع ليس في صالحه الاستمرار فيه ، وهذا ما يطلق عليه تعبير »استراتيجيات الاستجابة والتنازل إلى أبعد الحدود «،(Extreme Accomodative strategy) وهناك إستراتيجية الخليط أي التنازل عن بعض الأمور الثانوية ورفض التنازل عن الأمور الأساسية. وهناك كذلك تعبير إستراتيجية الثبات أو »عدم التنازل البتة Firm Strategy « حيث لا يقبل طرف ما بالإقدام على أي نوع من التنازلات ، ويكون هذا الطرف مستعدا عادة للوصول بالأمر إلى مرحلة الحرب أو التناحر المستمر حتى يخضع الطرف الآخر لكافة رغباته ، وفي هذه الحالة تسمى الإستراتيجية التي يتم توظيفها بإستراتيجية الهجوم والتظاهر بالمفاوضات حتى يحدث الهجوم بالفعل ( ٧)
ومن أكثر نماذج التفاعل الاستراتيجي شيوعا ما يلي:
- نموذج » معضلة السجين Prisoners Dilemma: «
وهذا النموذج مشتق من القصة الكلاسيكية القائلة بأنه قد تم اعتقال شخصين للاشتباه في أنهما مشتركان في ارتكاب جر يمه ، وقد تم وضع كل منهما في حجرة منفصلة بحيث لا يستطيع الاتصال بالآخر. و دون اعتراف أحد المتهمين على الأقل ، فإن السلطة القانونية الممثلة في النائب العام تخبر كل متهم بالعواقب التالية لاعترافهما:
أولا: إذا اعترف أحد المتهمين ولم يعترف شريكه ، فإن الذي اعترف سيطلق سراحه لتعاونه مع السلطات ، أما المتهم الثاني فسيعاقب بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
ثانيا: إذا اعترف كل من المتهمين فإن كليهما يعاقب بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات.
ثالثا: إذا لم يعترف كل من المتهمين فإن كلا منهما يذهب للسجن لمدة سنة واحدة. والمعضلة في هذا الموقف تكمن في أن أفضل الحلول تكمن في »ثالثا « أي عدم الاعتراف وقضاء سنة واحدة في السجن ولكن دون القدرة على الاتصال للتنسيق فيما بينهما ، فإن هناك إغراء كبيرا قد يتملك أحد المتهمين »اللاعبين « بأن يخدع » اللاعب « الآخر ويغير شهادته الرسمية ليحقق أحسن ناتج له، ويصبح مطلق السراح ، كما في( أولا ). والمعضلة تكمن أيضا في أنه إذا اعتقد أحد اللاعبين بأن شريكه سوف يخدعه ، فإن هذا لن يجعل أمامه بديلا آخر سوى الاعتراف( ٨ ). ومن هنا فإن استراتيجيات المتهمين ستتجه في الغالب إلى الاعتراف بارتكاب الجريمة على الرغم من أن هذا الاعتراف من كليهما سيتسبب لكل منهما في قضاء خمس سنوات في السجن ،(كما في ثانيا( وهو الأمر غير المرغوب فيه نسبيا ، ولكنه من الناحية العملية أفضل الاختيارات لأنه يتيح أكبر قدر من الأمان المفتقد ، ففي هذه الحالة يعترف كل منهما ويمضيان خمس سنوات في السجن بدلا من أن يضع أحدهما ثقته في الآخر بعدم الاعتراف لكي يكون الناتج لكليهما سنة واحدة فقط (وهذا ما قد يسمى بعقلانية الأمان) .
إننا إذا ما قمنا بتأمل هذه المعضلة فسنجدها تتركز حوله موضوع الثقة في الآخر وإلى أي مدى يمكن ذلك ، فالمعضلة هنا شبيهة-إذن بما قدمه الباحث Archibald تحت ما أسماه بمعضلة الثقة والتعاون . Trust( 9 )& Cooperation Dilemma



يمكنك الحصول على الكتاب كاملا من هنا :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ملاحظة : يجب أن يتوفر بحاسبك برنامج ( Acrobat Reader ) لتتمكن من فتح الكتاب .[/center]

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى