الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
بسم الله الرّحمن الرحيم
الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
إن هذه الثقافة التي لا تكاد تهتم من الإنسان إلا بالمطالب المادية الغريزية البهيمية، وليس لها من غاية في النهاية إلا إشباع غريزتي البطن والفرج، وما يتبع ذلك من نشوة ومتعة وراحة وارتخاء، هي ثقافة لا ينظر فيها للإنسان إلا من خلال مطالبه المادية. وإذا كان لا بد من حديث عن مطالب معنوية، فهي مطالب ذات علاقة مباشرة بالمطالب المادية الملحة والتي تكتمل من خلالها المتعة، دون أن تتجاوز ذلك إلى أي مدى آخر، باعتبار أنه لا معنى للحياة في هذه المنظومة الثقافية والفكرية خارج أبعادها المادية الحسية، وما يتبعها من أبعاد معنوية تحصل من خلالها المنفعة المترتبة عن المنفعة المادية الناجمة عن الإشباع الغريزي الحيواني الذي لا يتجاوز البطن وما يلزمها من طعام وشراب، والفرج وما يلزمه من لذة والتذاذ ونشوة عابرة متجددة، و ما يلزم ذلك من متع معنوية يكتمل بها المشهد المادي، كالمأوى والدواء والنسل والترف الفكري والنجاحات العقلية واللهو وغير ذلك من الأهواء والمنازع النفسية ذات الأهداف والغايات المادية وإشباع الغرائز وتلبية الشهوات والحواس.إن ثقافة الغرب المادية التي تختلف في نظرها للإنسان والحياة والكون عن الثقافة العربية الإسلامية من حيث أنها لا تنظر للإنسان إلا باعتباره مادة، ولا للجانب المادي منه فقط، ولا تنظر للحياة إلا على أنها مادة أولا ومادة آخرا، ولا تنظر إلى الكون إلا على أنه مادي. وليس للأبعاد المعنوية والروحية في هذه الثقافة من قيمة إلا في حدود ما يوحي به و يستوجبه الجانب المادي، أو ما يحققه الجانب المادي أو يتحقق به، فهي في جانب منها كافرة بكل ما هو معنوي وروحي وغيبي، وفي جانبها الآخر اعتراف بذلك، ولكن لا يكاد الملاحظ والمراقب أن يرى أثرا لذلك في حياة الإنسان. وينتهي الأمر أن يصحب ذلك الاعتراف بالجانب المعنوي إنكار له خاصة في ما له علاقة بالغيب وبعالم الروح. فثقافة الغرب وإن كانت مالكة لروح العقل إلا أنها فاقدة لروح الحضارة، وإن كانت محيطة بالمادة إلا أنها معزولة عن الروح، وإن جاءت محققة للحرية الفردية ومقدسة للملكية الخاصة وداعية لحقوق الإنسان وعاملة بالنظام الديمقراطي وضامنة للحريات العامة والخاصة وما يتحقق من خلال ذلك من أبعاد معنوية، إلا أنها تصب في النهاية في الخانة المادية دون كثير اعتبار عندها بالجانب الروحي والمعنوي والغيبي، بل لا اعتراف لها أصلا في الوجه الآخر لنفس العملة الذي يمثله المعسكر الشيوعي بهذا الجانب الذي يعتبر مجرد الاعتراف به كفرا وجريمة يعاقب عليها، ضاربة عرض الحائط بكل ما هو روحي معنوي، وما له علاقة بعالم الغيب والمثل.ولذلك كانت سمة العنف والإرهاب هي السمة الغالبة عليها. وكان اهتمام الإنسان متجها فيها دائما نحو مضاعفة إنتاج وسائل الدمار والخراب أكثر ربما من أي إنتاج آخر. فأصحاب هذه المرجعية الثقافية المادية إنما يبتغون في ما أتاهم الله الدار الدنيا وينسون نصيبهم من الآخرة، بخلاف ما هي عليه القاعدة الواردة في القرآن الكريم، والداعية إلى أن يبتغي الإنسان في ما أتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا يقول تعالى: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " (سورة القصص آية:77).فاذا كانت الثقافة الغربية المادية لا تخرج بالإنسان من عالم الطبيعة بالنظر إليه على أنه أحد عناصرها وهي موضوعه ومجال فعله و تفكيره، وهو الذي جعل علاقته بها علاقة صراع وقهر وإخضاع، فإن للثقافة الإسلامية معنى آخر للإنسان والحياة والكون، ورأيا آخر في هذه المكونات للحياة الدنيا. فالإنسان فيها ببعديه المادي والمعنوي هو جسم وروح وعقل ونفس، وهو أفضل ما في الكون من الكائنات الحية، وهو الذي يتمحور حوله الكون كله، فهو عماده، وهو أحد عناصره الأكثر فاعلية والأكثر وعيا وإدراكا من ناحية علاقته بالطبيعة وبعالم المادة في حياة الكون. فالإنسان في التصور الإسلامي، وانطلاقا من المرجعية الإسلامية ومن ثمة في الثقافة الإسلامية هو مركز الكون الذي لا قيمة له بدونه، والذي منه يستمد قيمته الإنسانية من حيث أنه مخلوق، وأن الكون كله قد خلقه الله من أجله، وهو محمول فيه على القيام بمهمة الاستخلاف والإعمار ليقوم فيه الناس بالقسط . وليست علاقته بهذا الكون من حوله علاقة صدام وصراع وقهر ومغالبة كما في ثقافة الغرب، ولكنها علاقة حب وتسخير. فكل ما في الكون مسخر للإنسان ليقوم فيه بمهمة الخلافة عن الله خالق الإنسان والحياة والكون، يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مشيرا إلى جبل أحد " هذا الجبل يحبنا ونحبه".وليست الطبيعة في بعدها المادي والمعنوي ذات الأثر المادي معزولة عن باقي عناصر الكون ومكوناته. فإذا كان لا علاقة للطبيعة وعالم المادة في التصور الغربي بباقي عناصر الكون، بل إذا كان لا يعترف في بعض هذا التصور بوجود عناصر أخرى لها علاقة بالطبيعة وبالإنسان وبالكون عموما، وإذا كان من بعض الاعتراف، فإنه ليس ثمة إيمان في هذه التصورات البشرية المتنوعة على ما بينها من ائتلاف واختلاف بوجود تأثير لها عليه. فالطبيعة هي ميدان عمل الإنسان وساحة فعله وحده، ولا علاقة لهذا النشاط والفعل البشري بما يمكن أن يكون مؤمنا به في عالم الغيب. إن عالم المادة من الطبيعة هو مجرد جزء من الكون وأحد عناصره ومكوناته. وهو مجال فعل الإنسان في صورته الكاملة دائما، من حيث أنه روح وعقل ونفس وجسد في كدحه إلى الله يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ " (سورة الانشقاق آية:6).وليست الطبيعة من الكون في التصور الإسلامي ميدان نشاط وفعل الإنسان وحده، ولكن الحياة فيه أكثر من أن تكون مجرد مادة، ومادة فقط، وليس الإنسان إلا أحد عناصره الحيوية والمدركة الفاعلة فيه. ذلك أن صورة الحياة في المرجعية الإسلامية، تكتمل باقتران ما هو مادي فيها بما هو معنوي، بما هو روحي وعقلي ونفسي وجسدي ، وبما هو عالم غيب وعالم شهادة، ليس الإنسان فيها إلا أحد ثلاثة كائنات حية تختلف في جوهرها بين النور والنار والصلصال، وهي: الملائكة والجن والإنس، في علاقة مباشرة في ما بينها. ففي معرض الحديث عن الشيطان الذي هو من الجن يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:" يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ " (الأعراف:27) . فإذا كانت الثقافة الغربية ليست معنية من الإنسان إلا بالجانب المادي منه، وليست معنية من الحياة إلا بعناصر المادة فيها، ومن الكون إلا بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، ومن ماء وهواء وتراب ونار، فإن الإسلام قد جمع في تصوره، إضافة إلى كل هذه العناصر كائنات شفافة أخرى، يكتمل بها الكون في الوجود وفي المعنى. وإذا كان لهذا تأثير في حياة الفرد والجماعة البشرية من المؤمنين بوجود هذه الكائنات إلى جانب هذه العناصر، ومن المعترفين بها أو من غير المؤمنين بذلك وغير المعترفين به، فإن جل اهتمام الإنسان من الكون والحياة متجه في التصور الإسلامي والثقافة الإسلامية لعالم المادة ودنيا الطبيعة تفكيرا وفعلا في غير انصراف عن الاعتراف بالعناصر الأخرى والإيمان بوجودها لاكتمال صورة الكون ووضوح الرؤيا لمعنى الحياة. وليس مزاولة الإنسان لمختلف مناشط الحياة عقلا وفعلا في هذا الكون بمعزل عن معنى أوسع للحياة في التصور الإسلامي. ذلك أن عالم الغيب لا يتحقق ثوابا وعقابا إلا بالفعل الإنساني قولا وعملا وتفكيرا بحسب ما يكون عليه الإنسان من انضباط في القول والعمل والتفكير وهو يزاول نشاطاته المختلفة في عالم المادة والطبيعة بما يتحقق له به من الثواب في حياة فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال بشر، وبما يتحقق له به من عقاب خالدا فيه أحقابا أو أبدا ويسلط عليه فيه من العذاب ما إن خرج منه إلا وأعيد فيه، وينال من العذاب ما لم يعذبه من قبل، وقد يخلد فيه مهانا. فبقدر ما يتجه اهتمام الإنسان في الحياة للإكثار من فعل الخير واجتناب الشر أكثر ما يمكن وهو مؤمن بذلك- في عقيدة التوحيد التى يجب أن يكون عليها- بقدر ما يكون حائزا على الثواب بما يدخله به الله الجنة حيث حياة المتعة الدائمة والخلود في النعيم الدائم. وبقدر ما يتجه اهتمامه في الحياة إلى الرذائل والانصراف عن الفضائل، بقدر ما يناله من العقاب ما يدخله به الله النار، حيث العذاب الدائم أحقابا أو أبدا خالدا فيه مهانا حيث لا يموت فيه ولا يحيا. وقد وقع الاهتمام في التصور الإسلامي للحياة ببعديها عالم الغيب وعالم الشهادة بما يتحقق للإنسان من ثواب وعقاب، وجنة ونار بحسب ما يكون عليه الفرد في حياته الدنيا من خير وشر وبحسب ما يقوم به من أفعال وعمل صالح، وما يصدر عنه من أقوال حسنة أو قبيحة، وبتحديد هذه القيم وفق مقتضيات الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها. قال تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (سورة الروم: آية 30). ووفق ما جاء به الوحي من الله على رسله وأنبيائه أمرا ونهيا بما يتحقق به للإنسان من خير ومصالح ومنافع، وما يجنبه من وقوع في المفاسد والشرور والمهالك والأضرار... وبهذه الفروق بين هذه الثقافة وتلك وهذا التصور وذاك، يكون الاختلاف في التفكير والسلوك بين من هم على ثقافة الغرب المادية المحدودة، ومن هم على ثقافة الإسلام الجامعة بين المادة والنفس والروح والعقل في آن، وبين عالمي الغيب والشهادة. وإذا كان من الطبيعي أن يكون الغرب الصليبي اليهودي منسجما مع ثقافته المتأصلة في العهد القديم والعهد الجديد والمتراوح الاعتقاد عند المؤمنين بهما بين معتقد أنه لا مسؤولية عليه على ما يقوم به من أفعال وما يصدر عنه من أقوال في هذه الحياة، وسيجد أن السيد المسيح عليه السلام قد قدم نفسه قربانا وفداء لأتباعه المؤمنين بما جاء من تعاليم في العهد الجديد الذي عيث فيه من بعده تحريفا وتزييفا، والذي بقيت الإشارة فيه إلى الحساب والعقاب، والقول فيه بالتنعيم وبالجنة والنار، وتخليصا لهم مما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه في حياتهم الدنيا من معاصي. فلا مسؤولية لهم على أفعالهم ولا على أقوالهم. ويطمعون أن ينعموا بالنعيم الدائم يوم القيامة. وبين معتقد في أنه "ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها" (التوراة:2 :18 ـ تاريخ الوجودية في الفكر البشري: محمد سعيد العشماوي)." تمتع جميع حياتك الفانية بعيش مع المرأة التي أحببتها و آويتها تحت الشمس لتقضي أيامك الفانية فإن ذلك حظك من الحياة" (المصدر نفسه).
الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
إن هذه الثقافة التي لا تكاد تهتم من الإنسان إلا بالمطالب المادية الغريزية البهيمية، وليس لها من غاية في النهاية إلا إشباع غريزتي البطن والفرج، وما يتبع ذلك من نشوة ومتعة وراحة وارتخاء، هي ثقافة لا ينظر فيها للإنسان إلا من خلال مطالبه المادية. وإذا كان لا بد من حديث عن مطالب معنوية، فهي مطالب ذات علاقة مباشرة بالمطالب المادية الملحة والتي تكتمل من خلالها المتعة، دون أن تتجاوز ذلك إلى أي مدى آخر، باعتبار أنه لا معنى للحياة في هذه المنظومة الثقافية والفكرية خارج أبعادها المادية الحسية، وما يتبعها من أبعاد معنوية تحصل من خلالها المنفعة المترتبة عن المنفعة المادية الناجمة عن الإشباع الغريزي الحيواني الذي لا يتجاوز البطن وما يلزمها من طعام وشراب، والفرج وما يلزمه من لذة والتذاذ ونشوة عابرة متجددة، و ما يلزم ذلك من متع معنوية يكتمل بها المشهد المادي، كالمأوى والدواء والنسل والترف الفكري والنجاحات العقلية واللهو وغير ذلك من الأهواء والمنازع النفسية ذات الأهداف والغايات المادية وإشباع الغرائز وتلبية الشهوات والحواس.إن ثقافة الغرب المادية التي تختلف في نظرها للإنسان والحياة والكون عن الثقافة العربية الإسلامية من حيث أنها لا تنظر للإنسان إلا باعتباره مادة، ولا للجانب المادي منه فقط، ولا تنظر للحياة إلا على أنها مادة أولا ومادة آخرا، ولا تنظر إلى الكون إلا على أنه مادي. وليس للأبعاد المعنوية والروحية في هذه الثقافة من قيمة إلا في حدود ما يوحي به و يستوجبه الجانب المادي، أو ما يحققه الجانب المادي أو يتحقق به، فهي في جانب منها كافرة بكل ما هو معنوي وروحي وغيبي، وفي جانبها الآخر اعتراف بذلك، ولكن لا يكاد الملاحظ والمراقب أن يرى أثرا لذلك في حياة الإنسان. وينتهي الأمر أن يصحب ذلك الاعتراف بالجانب المعنوي إنكار له خاصة في ما له علاقة بالغيب وبعالم الروح. فثقافة الغرب وإن كانت مالكة لروح العقل إلا أنها فاقدة لروح الحضارة، وإن كانت محيطة بالمادة إلا أنها معزولة عن الروح، وإن جاءت محققة للحرية الفردية ومقدسة للملكية الخاصة وداعية لحقوق الإنسان وعاملة بالنظام الديمقراطي وضامنة للحريات العامة والخاصة وما يتحقق من خلال ذلك من أبعاد معنوية، إلا أنها تصب في النهاية في الخانة المادية دون كثير اعتبار عندها بالجانب الروحي والمعنوي والغيبي، بل لا اعتراف لها أصلا في الوجه الآخر لنفس العملة الذي يمثله المعسكر الشيوعي بهذا الجانب الذي يعتبر مجرد الاعتراف به كفرا وجريمة يعاقب عليها، ضاربة عرض الحائط بكل ما هو روحي معنوي، وما له علاقة بعالم الغيب والمثل.ولذلك كانت سمة العنف والإرهاب هي السمة الغالبة عليها. وكان اهتمام الإنسان متجها فيها دائما نحو مضاعفة إنتاج وسائل الدمار والخراب أكثر ربما من أي إنتاج آخر. فأصحاب هذه المرجعية الثقافية المادية إنما يبتغون في ما أتاهم الله الدار الدنيا وينسون نصيبهم من الآخرة، بخلاف ما هي عليه القاعدة الواردة في القرآن الكريم، والداعية إلى أن يبتغي الإنسان في ما أتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا يقول تعالى: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " (سورة القصص آية:77).فاذا كانت الثقافة الغربية المادية لا تخرج بالإنسان من عالم الطبيعة بالنظر إليه على أنه أحد عناصرها وهي موضوعه ومجال فعله و تفكيره، وهو الذي جعل علاقته بها علاقة صراع وقهر وإخضاع، فإن للثقافة الإسلامية معنى آخر للإنسان والحياة والكون، ورأيا آخر في هذه المكونات للحياة الدنيا. فالإنسان فيها ببعديه المادي والمعنوي هو جسم وروح وعقل ونفس، وهو أفضل ما في الكون من الكائنات الحية، وهو الذي يتمحور حوله الكون كله، فهو عماده، وهو أحد عناصره الأكثر فاعلية والأكثر وعيا وإدراكا من ناحية علاقته بالطبيعة وبعالم المادة في حياة الكون. فالإنسان في التصور الإسلامي، وانطلاقا من المرجعية الإسلامية ومن ثمة في الثقافة الإسلامية هو مركز الكون الذي لا قيمة له بدونه، والذي منه يستمد قيمته الإنسانية من حيث أنه مخلوق، وأن الكون كله قد خلقه الله من أجله، وهو محمول فيه على القيام بمهمة الاستخلاف والإعمار ليقوم فيه الناس بالقسط . وليست علاقته بهذا الكون من حوله علاقة صدام وصراع وقهر ومغالبة كما في ثقافة الغرب، ولكنها علاقة حب وتسخير. فكل ما في الكون مسخر للإنسان ليقوم فيه بمهمة الخلافة عن الله خالق الإنسان والحياة والكون، يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مشيرا إلى جبل أحد " هذا الجبل يحبنا ونحبه".وليست الطبيعة في بعدها المادي والمعنوي ذات الأثر المادي معزولة عن باقي عناصر الكون ومكوناته. فإذا كان لا علاقة للطبيعة وعالم المادة في التصور الغربي بباقي عناصر الكون، بل إذا كان لا يعترف في بعض هذا التصور بوجود عناصر أخرى لها علاقة بالطبيعة وبالإنسان وبالكون عموما، وإذا كان من بعض الاعتراف، فإنه ليس ثمة إيمان في هذه التصورات البشرية المتنوعة على ما بينها من ائتلاف واختلاف بوجود تأثير لها عليه. فالطبيعة هي ميدان عمل الإنسان وساحة فعله وحده، ولا علاقة لهذا النشاط والفعل البشري بما يمكن أن يكون مؤمنا به في عالم الغيب. إن عالم المادة من الطبيعة هو مجرد جزء من الكون وأحد عناصره ومكوناته. وهو مجال فعل الإنسان في صورته الكاملة دائما، من حيث أنه روح وعقل ونفس وجسد في كدحه إلى الله يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ " (سورة الانشقاق آية:6).وليست الطبيعة من الكون في التصور الإسلامي ميدان نشاط وفعل الإنسان وحده، ولكن الحياة فيه أكثر من أن تكون مجرد مادة، ومادة فقط، وليس الإنسان إلا أحد عناصره الحيوية والمدركة الفاعلة فيه. ذلك أن صورة الحياة في المرجعية الإسلامية، تكتمل باقتران ما هو مادي فيها بما هو معنوي، بما هو روحي وعقلي ونفسي وجسدي ، وبما هو عالم غيب وعالم شهادة، ليس الإنسان فيها إلا أحد ثلاثة كائنات حية تختلف في جوهرها بين النور والنار والصلصال، وهي: الملائكة والجن والإنس، في علاقة مباشرة في ما بينها. ففي معرض الحديث عن الشيطان الذي هو من الجن يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:" يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ " (الأعراف:27) . فإذا كانت الثقافة الغربية ليست معنية من الإنسان إلا بالجانب المادي منه، وليست معنية من الحياة إلا بعناصر المادة فيها، ومن الكون إلا بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، ومن ماء وهواء وتراب ونار، فإن الإسلام قد جمع في تصوره، إضافة إلى كل هذه العناصر كائنات شفافة أخرى، يكتمل بها الكون في الوجود وفي المعنى. وإذا كان لهذا تأثير في حياة الفرد والجماعة البشرية من المؤمنين بوجود هذه الكائنات إلى جانب هذه العناصر، ومن المعترفين بها أو من غير المؤمنين بذلك وغير المعترفين به، فإن جل اهتمام الإنسان من الكون والحياة متجه في التصور الإسلامي والثقافة الإسلامية لعالم المادة ودنيا الطبيعة تفكيرا وفعلا في غير انصراف عن الاعتراف بالعناصر الأخرى والإيمان بوجودها لاكتمال صورة الكون ووضوح الرؤيا لمعنى الحياة. وليس مزاولة الإنسان لمختلف مناشط الحياة عقلا وفعلا في هذا الكون بمعزل عن معنى أوسع للحياة في التصور الإسلامي. ذلك أن عالم الغيب لا يتحقق ثوابا وعقابا إلا بالفعل الإنساني قولا وعملا وتفكيرا بحسب ما يكون عليه الإنسان من انضباط في القول والعمل والتفكير وهو يزاول نشاطاته المختلفة في عالم المادة والطبيعة بما يتحقق له به من الثواب في حياة فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال بشر، وبما يتحقق له به من عقاب خالدا فيه أحقابا أو أبدا ويسلط عليه فيه من العذاب ما إن خرج منه إلا وأعيد فيه، وينال من العذاب ما لم يعذبه من قبل، وقد يخلد فيه مهانا. فبقدر ما يتجه اهتمام الإنسان في الحياة للإكثار من فعل الخير واجتناب الشر أكثر ما يمكن وهو مؤمن بذلك- في عقيدة التوحيد التى يجب أن يكون عليها- بقدر ما يكون حائزا على الثواب بما يدخله به الله الجنة حيث حياة المتعة الدائمة والخلود في النعيم الدائم. وبقدر ما يتجه اهتمامه في الحياة إلى الرذائل والانصراف عن الفضائل، بقدر ما يناله من العقاب ما يدخله به الله النار، حيث العذاب الدائم أحقابا أو أبدا خالدا فيه مهانا حيث لا يموت فيه ولا يحيا. وقد وقع الاهتمام في التصور الإسلامي للحياة ببعديها عالم الغيب وعالم الشهادة بما يتحقق للإنسان من ثواب وعقاب، وجنة ونار بحسب ما يكون عليه الفرد في حياته الدنيا من خير وشر وبحسب ما يقوم به من أفعال وعمل صالح، وما يصدر عنه من أقوال حسنة أو قبيحة، وبتحديد هذه القيم وفق مقتضيات الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها. قال تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (سورة الروم: آية 30). ووفق ما جاء به الوحي من الله على رسله وأنبيائه أمرا ونهيا بما يتحقق به للإنسان من خير ومصالح ومنافع، وما يجنبه من وقوع في المفاسد والشرور والمهالك والأضرار... وبهذه الفروق بين هذه الثقافة وتلك وهذا التصور وذاك، يكون الاختلاف في التفكير والسلوك بين من هم على ثقافة الغرب المادية المحدودة، ومن هم على ثقافة الإسلام الجامعة بين المادة والنفس والروح والعقل في آن، وبين عالمي الغيب والشهادة. وإذا كان من الطبيعي أن يكون الغرب الصليبي اليهودي منسجما مع ثقافته المتأصلة في العهد القديم والعهد الجديد والمتراوح الاعتقاد عند المؤمنين بهما بين معتقد أنه لا مسؤولية عليه على ما يقوم به من أفعال وما يصدر عنه من أقوال في هذه الحياة، وسيجد أن السيد المسيح عليه السلام قد قدم نفسه قربانا وفداء لأتباعه المؤمنين بما جاء من تعاليم في العهد الجديد الذي عيث فيه من بعده تحريفا وتزييفا، والذي بقيت الإشارة فيه إلى الحساب والعقاب، والقول فيه بالتنعيم وبالجنة والنار، وتخليصا لهم مما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه في حياتهم الدنيا من معاصي. فلا مسؤولية لهم على أفعالهم ولا على أقوالهم. ويطمعون أن ينعموا بالنعيم الدائم يوم القيامة. وبين معتقد في أنه "ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها" (التوراة:2 :18 ـ تاريخ الوجودية في الفكر البشري: محمد سعيد العشماوي)." تمتع جميع حياتك الفانية بعيش مع المرأة التي أحببتها و آويتها تحت الشمس لتقضي أيامك الفانية فإن ذلك حظك من الحياة" (المصدر نفسه).
يتبع ان شاء الله
رد: الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
بارك الله فيك
مؤمنة بالله- مشرفة
-
رسالة sms : في أمان الله
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1462
نقاط التميز : 17063
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
رد: الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
لم اقرا الموضوع حتى خرجت عيناي من راسي.من فضلك يا اخي حاول تكبير الخط.شكرا لك على الموضوع الرائع
feirouz- المراقبة العامة
-
رسالة sms :
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1549
نقاط التميز : 18458
تاريخ التسجيل : 24/09/2010
رد: الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
-بسم الله الرّحمن الرحيم
الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
إن هذه الثقافة التي لا تكاد تهتم من الإنسان إلا بالمطالب المادية الغريزية البهيمية، وليس لها من غاية في النهاية إلا إشباع غريزتي البطن والفرج، وما يتبع ذلك من نشوة ومتعة وراحة وارتخاء، هي ثقافة لا ينظر فيها للإنسان إلا من خلال مطالبه المادية. وإذا كان لا بد من حديث عن مطالب معنوية، فهي مطالب ذات علاقة مباشرة بالمطالب المادية الملحة والتي تكتمل من خلالها المتعة، دون أن تتجاوز ذلك إلى أي مدى آخر، باعتبار أنه لا معنى للحياة في هذه المنظومة الثقافية والفكرية خارج أبعادها المادية الحسية، وما يتبعها من أبعاد معنوية تحصل من خلالها المنفعة المترتبة عن المنفعة المادية الناجمة عن الإشباع الغريزي الحيواني الذي لا يتجاوز البطن وما يلزمها من طعام وشراب، والفرج وما يلزمه من لذة والتذاذ ونشوة عابرة متجددة، و ما يلزم ذلك من متع معنوية يكتمل بها المشهد المادي، كالمأوى والدواء والنسل والترف الفكري والنجاحات العقلية واللهو وغير ذلك من الأهواء والمنازع النفسية ذات الأهداف والغايات المادية وإشباع الغرائز وتلبية الشهوات والحواس.إن ثقافة الغرب المادية التي تختلف في نظرها للإنسان والحياة والكون عن الثقافة العربية الإسلامية من حيث أنها لا تنظر للإنسان إلا باعتباره مادة، ولا للجانب المادي منه فقط، ولا تنظر للحياة إلا على أنها مادة أولا ومادة آخرا، ولا تنظر إلى الكون إلا على أنه مادي. وليس للأبعاد المعنوية والروحية في هذه الثقافة من قيمة إلا في حدود ما يوحي به و يستوجبه الجانب المادي، أو ما يحققه الجانب المادي أو يتحقق به، فهي في جانب منها كافرة بكل ما هو معنوي وروحي وغيبي، وفي جانبها الآخر اعتراف بذلك، ولكن لا يكاد الملاحظ والمراقب أن يرى أثرا لذلك في حياة الإنسان. وينتهي الأمر أن يصحب ذلك الاعتراف بالجانب المعنوي إنكار له خاصة في ما له علاقة بالغيب وبعالم الروح. فثقافة الغرب وإن كانت مالكة لروح العقل إلا أنها فاقدة لروح الحضارة، وإن كانت محيطة بالمادة إلا أنها معزولة عن الروح، وإن جاءت محققة للحرية الفردية ومقدسة للملكية الخاصة وداعية لحقوق الإنسان وعاملة بالنظام الديمقراطي وضامنة للحريات العامة والخاصة وما يتحقق من خلال ذلك من أبعاد معنوية، إلا أنها تصب في النهاية في الخانة المادية دون كثير اعتبار عندها بالجانب الروحي والمعنوي والغيبي، بل لا اعتراف لها أصلا في الوجه الآخر لنفس العملة الذي يمثله المعسكر الشيوعي بهذا الجانب الذي يعتبر مجرد الاعتراف به كفرا وجريمة يعاقب عليها، ضاربة عرض الحائط بكل ما هو روحي معنوي، وما له علاقة بعالم الغيب والمثل.ولذلك كانت سمة العنف والإرهاب هي السمة الغالبة عليها. وكان اهتمام الإنسان متجها فيها دائما نحو مضاعفة إنتاج وسائل الدمار والخراب أكثر ربما من أي إنتاج آخر. فأصحاب هذه المرجعية الثقافية المادية إنما يبتغون في ما أتاهم الله الدار الدنيا وينسون نصيبهم من الآخرة، بخلاف ما هي عليه القاعدة الواردة في القرآن الكريم، والداعية إلى أن يبتغي الإنسان في ما أتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا يقول تعالى: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " (سورة القصص آية:77).فاذا كانت الثقافة الغربية المادية لا تخرج بالإنسان من عالم الطبيعة بالنظر إليه على أنه أحد عناصرها وهي موضوعه ومجال فعله و تفكيره، وهو الذي جعل علاقته بها علاقة صراع وقهر وإخضاع، فإن للثقافة الإسلامية معنى آخر للإنسان والحياة والكون، ورأيا آخر في هذه المكونات للحياة الدنيا. فالإنسان فيها ببعديه المادي والمعنوي هو جسم وروح وعقل ونفس، وهو أفضل ما في الكون من الكائنات الحية، وهو الذي يتمحور حوله الكون كله، فهو عماده، وهو أحد عناصره الأكثر فاعلية والأكثر وعيا وإدراكا من ناحية علاقته بالطبيعة وبعالم المادة في حياة الكون. فالإنسان في التصور الإسلامي، وانطلاقا من المرجعية الإسلامية ومن ثمة في الثقافة الإسلامية هو مركز الكون الذي لا قيمة له بدونه، والذي منه يستمد قيمته الإنسانية من حيث أنه مخلوق، وأن الكون كله قد خلقه الله من أجله، وهو محمول فيه على القيام بمهمة الاستخلاف والإعمار ليقوم فيه الناس بالقسط . وليست علاقته بهذا الكون من حوله علاقة صدام وصراع وقهر ومغالبة كما في ثقافة الغرب، ولكنها علاقة حب وتسخير. فكل ما في الكون مسخر للإنسان ليقوم فيه بمهمة الخلافة عن الله خالق الإنسان والحياة والكون، يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مشيرا إلى جبل أحد " هذا الجبل يحبنا ونحبه".وليست الطبيعة في بعدها المادي والمعنوي ذات الأثر المادي معزولة عن باقي عناصر الكون ومكوناته. فإذا كان لا علاقة للطبيعة وعالم المادة في التصور الغربي بباقي عناصر الكون، بل إذا كان لا يعترف في بعض هذا التصور بوجود عناصر أخرى لها علاقة بالطبيعة وبالإنسان وبالكون عموما، وإذا كان من بعض الاعتراف، فإنه ليس ثمة إيمان في هذه التصورات البشرية المتنوعة على ما بينها من ائتلاف واختلاف بوجود تأثير لها عليه. فالطبيعة هي ميدان عمل الإنسان وساحة فعله وحده، ولا علاقة لهذا النشاط والفعل البشري بما يمكن أن يكون مؤمنا به في عالم الغيب. إن عالم المادة من الطبيعة هو مجرد جزء من الكون وأحد عناصره ومكوناته. وهو مجال فعل الإنسان في صورته الكاملة دائما، من حيث أنه روح وعقل ونفس وجسد في كدحه إلى الله يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ " (سورة الانشقاق آية:6).وليست الطبيعة من الكون في التصور الإسلامي ميدان نشاط وفعل الإنسان وحده، ولكن الحياة فيه أكثر من أن تكون مجرد مادة، ومادة فقط، وليس الإنسان إلا أحد عناصره الحيوية والمدركة الفاعلة فيه. ذلك أن صورة الحياة في المرجعية الإسلامية، تكتمل باقتران ما هو مادي فيها بما هو معنوي، بما هو روحي وعقلي ونفسي وجسدي ، وبما هو عالم غيب وعالم شهادة، ليس الإنسان فيها إلا أحد ثلاثة كائنات حية تختلف في جوهرها بين النور والنار والصلصال، وهي: الملائكة والجن والإنس، في علاقة مباشرة في ما بينها. ففي معرض الحديث عن الشيطان الذي هو من الجن يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:" يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ " (الأعراف:27) . فإذا كانت الثقافة الغربية ليست معنية من الإنسان إلا بالجانب المادي منه، وليست معنية من الحياة إلا بعناصر المادة فيها، ومن الكون إلا بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، ومن ماء وهواء وتراب ونار، فإن الإسلام قد جمع في تصوره، إضافة إلى كل هذه العناصر كائنات شفافة أخرى، يكتمل بها الكون في الوجود وفي المعنى. وإذا كان لهذا تأثير في حياة الفرد والجماعة البشرية من المؤمنين بوجود هذه الكائنات إلى جانب هذه العناصر، ومن المعترفين بها أو من غير المؤمنين بذلك وغير المعترفين به، فإن جل اهتمام الإنسان من الكون والحياة متجه في التصور الإسلامي والثقافة الإسلامية لعالم المادة ودنيا الطبيعة تفكيرا وفعلا في غير انصراف عن الاعتراف بالعناصر الأخرى والإيمان بوجودها لاكتمال صورة الكون ووضوح الرؤيا لمعنى الحياة. وليس مزاولة الإنسان لمختلف مناشط الحياة عقلا وفعلا في هذا الكون بمعزل عن معنى أوسع للحياة في التصور الإسلامي. ذلك أن عالم الغيب لا يتحقق ثوابا وعقابا إلا بالفعل الإنساني قولا وعملا وتفكيرا بحسب ما يكون عليه الإنسان من انضباط في القول والعمل والتفكير وهو يزاول نشاطاته المختلفة في عالم المادة والطبيعة بما يتحقق له به من الثواب في حياة فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال بشر، وبما يتحقق له به من عقاب خالدا فيه أحقابا أو أبدا ويسلط عليه فيه من العذاب ما إن خرج منه إلا وأعيد فيه، وينال من العذاب ما لم يعذبه من قبل، وقد يخلد فيه مهانا. فبقدر ما يتجه اهتمام الإنسان في الحياة للإكثار من فعل الخير واجتناب الشر أكثر ما يمكن وهو مؤمن بذلك- في عقيدة التوحيد التى يجب أن يكون عليها- بقدر ما يكون حائزا على الثواب بما يدخله به الله الجنة حيث حياة المتعة الدائمة والخلود في النعيم الدائم. وبقدر ما يتجه اهتمامه في الحياة إلى الرذائل والانصراف عن الفضائل، بقدر ما يناله من العقاب ما يدخله به الله النار، حيث العذاب الدائم أحقابا أو أبدا خالدا فيه مهانا حيث لا يموت فيه ولا يحيا. وقد وقع الاهتمام في التصور الإسلامي للحياة ببعديها عالم الغيب وعالم الشهادة بما يتحقق للإنسان من ثواب وعقاب، وجنة ونار بحسب ما يكون عليه الفرد في حياته الدنيا من خير وشر وبحسب ما يقوم به من أفعال وعمل صالح، وما يصدر عنه من أقوال حسنة أو قبيحة، وبتحديد هذه القيم وفق مقتضيات الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها. قال تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (سورة الروم: آية 30). ووفق ما جاء به الوحي من الله على رسله وأنبيائه أمرا ونهيا بما يتحقق به للإنسان من خير ومصالح ومنافع، وما يجنبه من وقوع في المفاسد والشرور والمهالك والأضرار... وبهذه الفروق بين هذه الثقافة وتلك وهذا التصور وذاك، يكون الاختلاف في التفكير والسلوك بين من هم على ثقافة الغرب المادية المحدودة، ومن هم على ثقافة الإسلام الجامعة بين المادة والنفس والروح والعقل في آن، وبين عالمي الغيب والشهادة. وإذا كان من الطبيعي أن يكون الغرب الصليبي اليهودي منسجما مع ثقافته المتأصلة في العهد القديم والعهد الجديد والمتراوح الاعتقاد عند المؤمنين بهما بين معتقد أنه لا مسؤولية عليه على ما يقوم به من أفعال وما يصدر عنه من أقوال في هذه الحياة، وسيجد أن السيد المسيح عليه السلام قد قدم نفسه قربانا وفداء لأتباعه المؤمنين بما جاء من تعاليم في العهد الجديد الذي عيث فيه من بعده تحريفا وتزييفا، والذي بقيت الإشارة فيه إلى الحساب والعقاب، والقول فيه بالتنعيم وبالجنة والنار، وتخليصا لهم مما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه في حياتهم الدنيا من معاصي. فلا مسؤولية لهم على أفعالهم ولا على أقوالهم. ويطمعون أن ينعموا بالنعيم الدائم يوم القيامة. وبين معتقد في أنه "ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها" (التوراة:2 :18 ـ تاريخ الوجودية في الفكر البشري: محمد سعيد العشماوي)." تمتع جميع حياتك الفانية بعيش مع المرأة التي أحببتها و آويتها تحت الشمس لتقضي أيامك الفانية فإن ذلك حظك من الحياة" (المصدر نفسه).
رد: الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
شكرا اخي نونو .قمت بالواجب
feirouz- المراقبة العامة
-
رسالة sms :
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1549
نقاط التميز : 18458
تاريخ التسجيل : 24/09/2010
رد: الآثار المباشرة لثقافة الغرب المادية
بوركت جزاك الله الجنة
الجزائر الحبيبة- مشرف
-
رسالة sms : قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل و سلم على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم و على آل سينا ابراهيم في العالمين ، و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم و على آل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ....
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 809
نقاط التميز : 16620
تاريخ التسجيل : 25/02/2011
مواضيع مماثلة
» الآثار السياسية للحكم بغير ما أنزل الله
» فيسبوك يبحث إطلاق خدمة (رسائل التنبيه المباشرة)
» الفرق بين العرب و الغرب
» رسالة من الغرب إلى العرب
» المرأة في الغرب قصة حياه(ء) مؤسفة ! فلا تقلديها
» فيسبوك يبحث إطلاق خدمة (رسائل التنبيه المباشرة)
» الفرق بين العرب و الغرب
» رسالة من الغرب إلى العرب
» المرأة في الغرب قصة حياه(ء) مؤسفة ! فلا تقلديها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 26, 2023 4:51 pm من طرف guerna noureddine
» حضارات ماقبل التاريخ
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:36 pm من طرف بن عامر لخضر
» واد سوف على مر الزمان ثاني اكبر معلم تاريخي فالجزائر
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:34 pm من طرف بن عامر لخضر
» من أقطابنا لبرج الغدير : زاوية سيدي احسن بلدية غيلاسة دائرة برج الغدير
الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 6:38 pm من طرف بن عامر لخضر
» انتشار الامازيغ
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:40 am من طرف بن عامر لخضر
» من اقطابنا لبرج الغدير: رحلة في ذكرى 8ماي1945( بئر ميشوبأولاد سي احمد )
السبت أكتوبر 21, 2017 5:56 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 1:09 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 12:57 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : معلم أثري يكاد يندثر ( الضريح الروماني ببرج الشميسة )
الإثنين أكتوبر 02, 2017 6:42 am من طرف بن عامر لخضر
» مجموعة أطروحات دكتوراه دولة في الإقتصاد.
الجمعة مارس 31, 2017 9:25 pm من طرف yacine ha
» بعض من مؤلفات الدكتور محمد الصغير غانم
الثلاثاء مارس 21, 2017 8:42 am من طرف cherifa cherifa
» ربح المال مجانا من الانترنت
السبت فبراير 25, 2017 9:15 am من طرف mounir moon
» موسوعة كتب الطبخ
الجمعة فبراير 24, 2017 4:43 pm من طرف mounir moon
» cours 3eme année vétérinaire
الجمعة فبراير 24, 2017 4:38 pm من طرف mounir moon
» اين انتم
الإثنين فبراير 13, 2017 2:47 pm من طرف guerna noureddine