العلاقات الفينيقية المغاربية في شمال إفريقيا
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العلاقات الفينيقية المغاربية في شمال إفريقيا
حتى يتسنى لنا تقييم العلاقات الفينيقية المغاربية من خلال ما كتبه المؤرخون الكلاسيكيون الإغريق والرومان، و ما أسفرت عليه نتائج التنقيبات الأثرية و كذا نصوص النقوش الكتابية، لابد أن نركز على علاقة قرطاجة و هي المدينة الهامة التي آلت إليها السيادة في الحوض الغربي للبحر المتوسط بعد تأسيسها و تطورها، ذلك لأن المستوطنات التي سبقتها كانت قد أسست من قبل تجار من بسطاء عامة الشعب كانوا لا يفكرون في الاستقرار في الحوض الغربي للبحر المتوسط بعد انتهاء مهمتهم التجارية المتمثلة في جلب المواد المصنعة و مبادلتها عن طريق المقايضة. و مقابل ذلك الحصول على المواد الخام، لاسيما معادن الحديد و الرصاص و القصدير من شبه جزيرة إيبيريا و كذا المواد الأولية الأخرى التي كانوا يحصلون عليها من المغرب القديم مثل الملح و ريش النعام و جلود الحيوانات و العاج. وكانت الوساطة التجارية بين حوضي البحر المتوسط هي مهمتهم الوحيدة.
أما مدينة قرطاجة فقد أسستها أميرة – تدعى عليسا – تنتمي إلى أسرة ملكية بمدينة صور، وقد جاءت بحاشيتها منذ الوهلة الأولى بهدف الاستقرار.
ولا يستبعد أن يكون المكان الذي أسست فيه مدينة قرطاجة والمتمثل في خليج شمال تونس قد تعرف عليه الفينيقيون الأوائل و تبينوا مكانته الاستراتيجية في المنطقة، و لم يكن تأسيسها هنالك اعتباطيا كما يعتقد البعض. و مع ذلك، فإن الباحث يقف عاجزا أمام بداية و نوعية العلاقات الفينيقية المغاربية الباكرة في غرب المتوسط، فيما عدا بعض الإشارات التاريخية البسيطة التي يغلب عليها الأسلوب الأسطوري في كثير من الأحيان.
و هكذا يمكن أن نقسم العلاقات القرطاجية – الليبية إلى مرحلتين أساسيتين ، أولهما تبدأ منذ نشأة قرطاجة و تستمر حتى القرن الخامس ق.م، و ثانيهما تمتد من هذا التاريخ و حتى تهديم مدينة قرطاجة سنة 146 ق.م .
أولا : العلاقات التي تمتد منذ البدء و حتى القرن الخامس قبل الميلاد
لعل أول إشارة إلى تلك العلاقات تكمن فيما ذكره المؤرخ الإغريقي تيمي (Timée) و التي نقلها عنه فيما بعد جوستانJustin) ( في مختصر تروق بومبي (Trogue Pompée) . و يستفاد من تلك الكتابات أو ما عرفت بأسطورة عليسا (Elissa)أن المغاربة القدماء كانوا في بداية الأمر قد رحبوا بالتجار الفينيقيين الذين وفدوا إلى بلادهم و ذلك نظرا لأهدافهم السلمية التي كانت لا تتعدى إنشاء مراكز تجارية تتم فيها المبادلات.
ونظرا لهوية الفينيقيين السلمية، فقد قبلوا دفع ضريبة مالية سنوية للمغاربة القدماء عربونا للصداقة وإعطائهم الأمان وريعا للمكان الذي أسست فيه المدينة. وقد دام ذلك الوفاق أوالاتفاق إن صح هذا التعبير بداية من تأسيس قرطاجة وحتى القرن الخامس ق.م تقريبا و هي الفترة التي تنقلب فيها قرطاجة إلى دولة مهيمنة على الحوض الغربي للبحر المتوسط.
وبتقادم الزمن آلت بعض المراكز الفينيقية إلى مستوطنات و مدن قارة لها حرية السيادة في نطاق المنظومة العامة القرطاجية. و قد تجمع حولها المغاربة لتسويق بضائعهم المحلية المتمثلة في جلود الحيوانات و ريش النعام و الذهب وبعض المعادن الأخرى غير المصنعة وبالمقابل كانوا يبتاعون من التجار الفينيقيين كل أنواع الزينة و العطور و الأواني المصنعة الزجاجية والمعدنية وكذا الخزفية و كل ذلك كان يتم عن طريق المقايضة. و باستقرار الفينيقيين والمغاربة في أماكن قارة بدأ التفكير في استغلال المناطق الصالحة للزراعة والقريبة من أماكن الاستقرار. وهكذا استغلت كامل السهول الموجودة في رأس بونة شمال تونس وسهول شمال غرب تونس و الشرق الجزائري ، ثم سهول المغرب الأقصى الواقعة حول مستوطنة ليكسوس (Lixus) .
أما الجانب الثاني الذي يبرز لنا ذلك الامتزاج فيتمثل في الجانب الديني، لاسيما في عبادة كل من المغاربة و القرطاجيين للإلهين بعل حمون و تانيت بني بعل، و تعتبر هذه الأخيرة عند بعض المؤرخين إلهة مغربية تقابل الإلهة عشتار السامية في شرق المتوسط. كذلك يستدل من وجود رسوم الكبش الذي يحمل على رأسه دائرة تشير إلى قرص الشمس و التي وجدت في الرسوم الصخرية و كذا رسوم الخراف و الثيران التي وجدت في بعض أنصاب قرطاجة وسيرتا و حدرومات (سوسة) على مدى استمرار العبادة المغربية القديمة العائدة إلى فترة ما قبل التاريخ و تعايشها مع العبادة السامية و هي ظاهرة تدل على الامتزاج الديني بين القرطاجيين و المغاربة القدماء. و لعل من بين مظاهر الامتزاج الأخرى الفينيقية المغربية نشير إلى مظاهر الدفن و نوعية المقابر و الهدايا الجنائزية التي وجدت بالقبور الحجرية كالحوانيت والدولمن التي وجدت معظمها في مجال التأثير القرطاجي البوني، و العنصر الهام الذي يساعدنا على معرفة ذلك الامتزاج هو وجود الكسر و الأواني الفخارية المغربية-البونية منتشرة في تلك المواقع الأثرية لاسيما في كل من جيجل (ايجيلجلي Igilgili ( و تيبازة بالجزائر وليكسوس بالمغرب الأقصى .
و قد استفاد المغاربة من الفينيقيين في صناعة الخزف، سواء باستعمال دولاب الخزاف أو في تطور الرسوم الهندسية التي تبدو على ظهر الآنية الفخارية. علما وأنه كان يغلب على رسوم الآنية الفخارية المغاربية قبل ذلك محاكاة الطبيعة، ثم تطورت بعد ذلك، فأصبحت بفضل القادمين الجدد تتخذ خطوطا و أشكالا هندسية وفقا لما كان سائدا في فخاريات شرقي المتوسط وحتى شكلها و مظهرها قد تحسنا. وبذلك أصبحت الأواني المغربية الفخارية تضاهي تلك الأجنبية المعاصرة لها و الموجودة في كل من بلاد الإغريق و شرقي المتوسط .
وعلى ضوء الملاحظات السابقة يتبين لنا بأن العلاقات الفينيقية المغاربية كانت علاقات سلمية اقتصادية دينية استفاد منها المغاربة في الخروج من عزلتهم التي كانوا يعانونها في المغرب منذ فترة ما قبل التاريخ. كذلك عرف المغاربة بفضل احتكاكهم بالفينيقيين نظام الاستقرار و تأسيس القرى والمدن وزراعة بعض الأشجار مثل الكروم و التين و الرمان و تلقيح أشجار الزيتون البري التي كانت موجودة ببلادهم.
هذا إلى جانب أخذهم حروف الكتابة البونية التي كانت سببا في دخولهم إلى الفترة التاريخية وكذا النظام السياسي المتمثل في نظام السوفيت ( Sufféte ) أي القضاة الحاكمين.
و قد استمرت علاقة سياسة المصالح المتبادلة خلال القرون الأولى من تأسيس مدينة قرطاجة، غير أنه في بداية القرن السادس قبل الميلاد و أمام الزحف الإغريقي نحو الحوض الغربي للبحر المتوسط ومنافستهم للقرطاجيين، عملت قرطاجة على تجنيد المرتزقة من أبناء المناطق التي كانت تتعامل معها، و لا غرو في ذلك أن يكون ضمن الجيش المرتزق أبناء المغاربة الذين كانت بلادهم تمتد على كامل شواطئ البحر المتوسط الجنوبية.
وقد أخلص المغاربة في بداية الأمر في تعاملهم مع القرطاجيين و وقوفهم إلى جانبهم في كل المعارك التي خاضوها ضد الإغريق سواء أكان ذلك في كورسيكا (معركة ألاليا –Alalia ) سنة 535 ق.م و ذلك ضمن الاتحاد الإتروسكي القرطاجي، و حتى في صقلية نفسها. كما وقفوا معهم ضد الزحف الإغريقي غرب برقة (Cyréne ) بليبيا.
و لم تبدأ العلاقات القرطاجية المغربية في التدهور إلا منذ القرن الخامس ق.م و كان لذلك التدهور أسبابه الخاصة التي سنتطرق إليها.
أما مدينة قرطاجة فقد أسستها أميرة – تدعى عليسا – تنتمي إلى أسرة ملكية بمدينة صور، وقد جاءت بحاشيتها منذ الوهلة الأولى بهدف الاستقرار.
ولا يستبعد أن يكون المكان الذي أسست فيه مدينة قرطاجة والمتمثل في خليج شمال تونس قد تعرف عليه الفينيقيون الأوائل و تبينوا مكانته الاستراتيجية في المنطقة، و لم يكن تأسيسها هنالك اعتباطيا كما يعتقد البعض. و مع ذلك، فإن الباحث يقف عاجزا أمام بداية و نوعية العلاقات الفينيقية المغاربية الباكرة في غرب المتوسط، فيما عدا بعض الإشارات التاريخية البسيطة التي يغلب عليها الأسلوب الأسطوري في كثير من الأحيان.
و هكذا يمكن أن نقسم العلاقات القرطاجية – الليبية إلى مرحلتين أساسيتين ، أولهما تبدأ منذ نشأة قرطاجة و تستمر حتى القرن الخامس ق.م، و ثانيهما تمتد من هذا التاريخ و حتى تهديم مدينة قرطاجة سنة 146 ق.م .
أولا : العلاقات التي تمتد منذ البدء و حتى القرن الخامس قبل الميلاد
لعل أول إشارة إلى تلك العلاقات تكمن فيما ذكره المؤرخ الإغريقي تيمي (Timée) و التي نقلها عنه فيما بعد جوستانJustin) ( في مختصر تروق بومبي (Trogue Pompée) . و يستفاد من تلك الكتابات أو ما عرفت بأسطورة عليسا (Elissa)أن المغاربة القدماء كانوا في بداية الأمر قد رحبوا بالتجار الفينيقيين الذين وفدوا إلى بلادهم و ذلك نظرا لأهدافهم السلمية التي كانت لا تتعدى إنشاء مراكز تجارية تتم فيها المبادلات.
ونظرا لهوية الفينيقيين السلمية، فقد قبلوا دفع ضريبة مالية سنوية للمغاربة القدماء عربونا للصداقة وإعطائهم الأمان وريعا للمكان الذي أسست فيه المدينة. وقد دام ذلك الوفاق أوالاتفاق إن صح هذا التعبير بداية من تأسيس قرطاجة وحتى القرن الخامس ق.م تقريبا و هي الفترة التي تنقلب فيها قرطاجة إلى دولة مهيمنة على الحوض الغربي للبحر المتوسط.
وبتقادم الزمن آلت بعض المراكز الفينيقية إلى مستوطنات و مدن قارة لها حرية السيادة في نطاق المنظومة العامة القرطاجية. و قد تجمع حولها المغاربة لتسويق بضائعهم المحلية المتمثلة في جلود الحيوانات و ريش النعام و الذهب وبعض المعادن الأخرى غير المصنعة وبالمقابل كانوا يبتاعون من التجار الفينيقيين كل أنواع الزينة و العطور و الأواني المصنعة الزجاجية والمعدنية وكذا الخزفية و كل ذلك كان يتم عن طريق المقايضة. و باستقرار الفينيقيين والمغاربة في أماكن قارة بدأ التفكير في استغلال المناطق الصالحة للزراعة والقريبة من أماكن الاستقرار. وهكذا استغلت كامل السهول الموجودة في رأس بونة شمال تونس وسهول شمال غرب تونس و الشرق الجزائري ، ثم سهول المغرب الأقصى الواقعة حول مستوطنة ليكسوس (Lixus) .
أما الجانب الثاني الذي يبرز لنا ذلك الامتزاج فيتمثل في الجانب الديني، لاسيما في عبادة كل من المغاربة و القرطاجيين للإلهين بعل حمون و تانيت بني بعل، و تعتبر هذه الأخيرة عند بعض المؤرخين إلهة مغربية تقابل الإلهة عشتار السامية في شرق المتوسط. كذلك يستدل من وجود رسوم الكبش الذي يحمل على رأسه دائرة تشير إلى قرص الشمس و التي وجدت في الرسوم الصخرية و كذا رسوم الخراف و الثيران التي وجدت في بعض أنصاب قرطاجة وسيرتا و حدرومات (سوسة) على مدى استمرار العبادة المغربية القديمة العائدة إلى فترة ما قبل التاريخ و تعايشها مع العبادة السامية و هي ظاهرة تدل على الامتزاج الديني بين القرطاجيين و المغاربة القدماء. و لعل من بين مظاهر الامتزاج الأخرى الفينيقية المغربية نشير إلى مظاهر الدفن و نوعية المقابر و الهدايا الجنائزية التي وجدت بالقبور الحجرية كالحوانيت والدولمن التي وجدت معظمها في مجال التأثير القرطاجي البوني، و العنصر الهام الذي يساعدنا على معرفة ذلك الامتزاج هو وجود الكسر و الأواني الفخارية المغربية-البونية منتشرة في تلك المواقع الأثرية لاسيما في كل من جيجل (ايجيلجلي Igilgili ( و تيبازة بالجزائر وليكسوس بالمغرب الأقصى .
و قد استفاد المغاربة من الفينيقيين في صناعة الخزف، سواء باستعمال دولاب الخزاف أو في تطور الرسوم الهندسية التي تبدو على ظهر الآنية الفخارية. علما وأنه كان يغلب على رسوم الآنية الفخارية المغاربية قبل ذلك محاكاة الطبيعة، ثم تطورت بعد ذلك، فأصبحت بفضل القادمين الجدد تتخذ خطوطا و أشكالا هندسية وفقا لما كان سائدا في فخاريات شرقي المتوسط وحتى شكلها و مظهرها قد تحسنا. وبذلك أصبحت الأواني المغربية الفخارية تضاهي تلك الأجنبية المعاصرة لها و الموجودة في كل من بلاد الإغريق و شرقي المتوسط .
وعلى ضوء الملاحظات السابقة يتبين لنا بأن العلاقات الفينيقية المغاربية كانت علاقات سلمية اقتصادية دينية استفاد منها المغاربة في الخروج من عزلتهم التي كانوا يعانونها في المغرب منذ فترة ما قبل التاريخ. كذلك عرف المغاربة بفضل احتكاكهم بالفينيقيين نظام الاستقرار و تأسيس القرى والمدن وزراعة بعض الأشجار مثل الكروم و التين و الرمان و تلقيح أشجار الزيتون البري التي كانت موجودة ببلادهم.
هذا إلى جانب أخذهم حروف الكتابة البونية التي كانت سببا في دخولهم إلى الفترة التاريخية وكذا النظام السياسي المتمثل في نظام السوفيت ( Sufféte ) أي القضاة الحاكمين.
و قد استمرت علاقة سياسة المصالح المتبادلة خلال القرون الأولى من تأسيس مدينة قرطاجة، غير أنه في بداية القرن السادس قبل الميلاد و أمام الزحف الإغريقي نحو الحوض الغربي للبحر المتوسط ومنافستهم للقرطاجيين، عملت قرطاجة على تجنيد المرتزقة من أبناء المناطق التي كانت تتعامل معها، و لا غرو في ذلك أن يكون ضمن الجيش المرتزق أبناء المغاربة الذين كانت بلادهم تمتد على كامل شواطئ البحر المتوسط الجنوبية.
وقد أخلص المغاربة في بداية الأمر في تعاملهم مع القرطاجيين و وقوفهم إلى جانبهم في كل المعارك التي خاضوها ضد الإغريق سواء أكان ذلك في كورسيكا (معركة ألاليا –Alalia ) سنة 535 ق.م و ذلك ضمن الاتحاد الإتروسكي القرطاجي، و حتى في صقلية نفسها. كما وقفوا معهم ضد الزحف الإغريقي غرب برقة (Cyréne ) بليبيا.
و لم تبدأ العلاقات القرطاجية المغربية في التدهور إلا منذ القرن الخامس ق.م و كان لذلك التدهور أسبابه الخاصة التي سنتطرق إليها.
اسماء المسيلية- ك.ش
-
رسالة sms : سلام عليكم
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1993
نقاط التميز : 19580
تاريخ التسجيل : 25/02/2009
رد: العلاقات الفينيقية المغاربية في شمال إفريقيا
ثانيا : العلاقات اللاحقة للقرن الخامس ق.م و حتى سقوط قرطاجة
عملت قرطاجة منذ القرن الخامس ق.م على تغيير سياستها الإفريقية و كان السبب في ذلك راجعا إلى هزيمتها لأول مرة أمام الإغريق في معركة هميرا (Himira ) سنة 480 ق.م. و قد انعكس ذلك التغيير على علاقتها مع المغاربة حيث حاولت بعد تلك الهزيمة أن تعيد النظر في سياستها الاقتصادية المعتمدة على التجارة عبر سواحل المتوسط وربط حوضه الغربي بالشرقي، غير أن ظهور الإغريق في كل من صقلية و قرينة بليبيا ومنافستهم لها بحيث أصبحوا يمثلون حاجزا يحول دون اتصال تجارها بشرقي المتوسط. وكان على قرطاجة أمام هذه الوضعية الجديدة كما أشرت إلى ذلك آنفا أن تعيد النظر في كل شيء يتعلق بسياستها في الحوض الغربي للبحر للمتوسط و أن لا تعتمد على التجارة وحدها، بل لابد أن تعطي للزراعة مكانتها اللائقة. و هنا بدأ ما عرف في سياستها بالاتجاه الإفريقي. وقد لاح ذلك واضحا في تجهيزها و إرسالها لرحلة حميلكان (Himilcon ) إلى جزر كاسيتريدس و كورنوال في جنوب بريطانيا شمالا، و كذا رحلة حنون (Hannon ) الاستكشافية في نهاية القرن الخامس إلى أواسط جنوب غرب إفريقيا، بحثا عن مناطق أخرى في السواحل الإفريقية على المحيط الأطلسي يمكن اللجوء إليها عند الضرورة.
وفي هذا الصدد يذكر المؤرخ الإغريقي بوليبيوس (Polybius ) بأن السيادة القرطاجية قبل الحرب البونية الأولى كانت تمتد على كامل البحر الداخلي وذلك ابتداء من معبد الفلين بخليج السيرت الكبير شرقا حتى أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق الحالي) على المحيط الأطلسي غربا.
كذلك لم تقف قرطاجة عند هذا الحد في علاقتها مع حلفائها المغاربة ، بل أساءت إليهم بقطع الضريبة السنوية التي كانت تدفعها لهم و ذلك منذ نشأتها. و أكثر من ذلك أصبحت قرطاجة تفرض على المغاربة ضرائب جديدة لتمويل الحرب التي أصبحت تخوضها ضد المدن الإغريقية و تجند المرتزقة من أبنائهم لمواجهة الموقف في صقلية.
غير أن قرطاجة بإتباعها لتلك السياسة كانت قد أساءت إلى حلفائها المغاربة و فتحت أعينهم على التمرد و العصيان ضدها و تغيير نظرتهم لها حيث أنهم أصبحوا يعتبرونها شوكة غريبة في جسمهم و لا تهمها بالدرجة الأولى إلا مصلحة أرستقراطيتها التي امتدت يدها لأراضي المغاربة تقيم لهم المزارع بغية تعويض ما خسروه في صقلية.
و تشير الكتابات التاريخية إلى أنه منذ القرن الخامس ق.م حتى نهاية الحرب البونية الثانية بمعركة زاما (Zama ) 201 ق.م كانت قرطاجة قد عملت على ابتلاع كثير من الأراضي المغاربية و وضعتها تحت يد أرستقراطيتها و كان ذلك على حساب المغاربة القدماء. ولم تكتف قرطاجة بالشريط الساحلي بل تسربت إلى الداخل تقيم المزارع لأرستقراطيتها التي باتت مهددة في صقلية.
فقرطاجة في أخريات أيامها كانت تسلك في علاقتها مع المغاربة القدماء سياسة مسك العصا من الوسط. وذلك من بين الأسباب التي جعلت بعض حلفائها المغاربة يتخلون عليها وينقلبون ضدها في كثير من الأحيان وأكثر من ذلك يرتمي البعض منهم في أحضان أعدائها وهو ما جعلها لقمة سائغة بالنسبة للرومان وقد أساءت للمغاربة بسياستها تلك. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن روما كانت دولة في مستهل شبابها تطبق نظاما انضباطيا بين مواطنيها لا يقل صرامة عن التنظيم الذي كان سائدا قبل ذلك في مدينة اسبارطة ببلاد الإغريق وكان الهدف من كل ذلك هو جعل البحر المتوسط بحيرة رومانية وإيجاد مستعمرات لجنودها وعبيدها في مناطق أخرى خارج شبه جزيرة إيطاليا قصد التخفيف على مدينة روما التي كانت تعج بالطبقات الاجتماعية المتصارعة على السلطة والسياسة والاقتصاد، إضافة إلى العبيد والجنود المتقاعدين الذين أصبحوا يشكلون خطرا عليها.
--------------------------------------------------------------------------------
الدكتور محمد الصغير غانم كتاب "مقالات وآراء في تاريخ الجزائر القديم"
عملت قرطاجة منذ القرن الخامس ق.م على تغيير سياستها الإفريقية و كان السبب في ذلك راجعا إلى هزيمتها لأول مرة أمام الإغريق في معركة هميرا (Himira ) سنة 480 ق.م. و قد انعكس ذلك التغيير على علاقتها مع المغاربة حيث حاولت بعد تلك الهزيمة أن تعيد النظر في سياستها الاقتصادية المعتمدة على التجارة عبر سواحل المتوسط وربط حوضه الغربي بالشرقي، غير أن ظهور الإغريق في كل من صقلية و قرينة بليبيا ومنافستهم لها بحيث أصبحوا يمثلون حاجزا يحول دون اتصال تجارها بشرقي المتوسط. وكان على قرطاجة أمام هذه الوضعية الجديدة كما أشرت إلى ذلك آنفا أن تعيد النظر في كل شيء يتعلق بسياستها في الحوض الغربي للبحر للمتوسط و أن لا تعتمد على التجارة وحدها، بل لابد أن تعطي للزراعة مكانتها اللائقة. و هنا بدأ ما عرف في سياستها بالاتجاه الإفريقي. وقد لاح ذلك واضحا في تجهيزها و إرسالها لرحلة حميلكان (Himilcon ) إلى جزر كاسيتريدس و كورنوال في جنوب بريطانيا شمالا، و كذا رحلة حنون (Hannon ) الاستكشافية في نهاية القرن الخامس إلى أواسط جنوب غرب إفريقيا، بحثا عن مناطق أخرى في السواحل الإفريقية على المحيط الأطلسي يمكن اللجوء إليها عند الضرورة.
وفي هذا الصدد يذكر المؤرخ الإغريقي بوليبيوس (Polybius ) بأن السيادة القرطاجية قبل الحرب البونية الأولى كانت تمتد على كامل البحر الداخلي وذلك ابتداء من معبد الفلين بخليج السيرت الكبير شرقا حتى أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق الحالي) على المحيط الأطلسي غربا.
كذلك لم تقف قرطاجة عند هذا الحد في علاقتها مع حلفائها المغاربة ، بل أساءت إليهم بقطع الضريبة السنوية التي كانت تدفعها لهم و ذلك منذ نشأتها. و أكثر من ذلك أصبحت قرطاجة تفرض على المغاربة ضرائب جديدة لتمويل الحرب التي أصبحت تخوضها ضد المدن الإغريقية و تجند المرتزقة من أبنائهم لمواجهة الموقف في صقلية.
غير أن قرطاجة بإتباعها لتلك السياسة كانت قد أساءت إلى حلفائها المغاربة و فتحت أعينهم على التمرد و العصيان ضدها و تغيير نظرتهم لها حيث أنهم أصبحوا يعتبرونها شوكة غريبة في جسمهم و لا تهمها بالدرجة الأولى إلا مصلحة أرستقراطيتها التي امتدت يدها لأراضي المغاربة تقيم لهم المزارع بغية تعويض ما خسروه في صقلية.
و تشير الكتابات التاريخية إلى أنه منذ القرن الخامس ق.م حتى نهاية الحرب البونية الثانية بمعركة زاما (Zama ) 201 ق.م كانت قرطاجة قد عملت على ابتلاع كثير من الأراضي المغاربية و وضعتها تحت يد أرستقراطيتها و كان ذلك على حساب المغاربة القدماء. ولم تكتف قرطاجة بالشريط الساحلي بل تسربت إلى الداخل تقيم المزارع لأرستقراطيتها التي باتت مهددة في صقلية.
فقرطاجة في أخريات أيامها كانت تسلك في علاقتها مع المغاربة القدماء سياسة مسك العصا من الوسط. وذلك من بين الأسباب التي جعلت بعض حلفائها المغاربة يتخلون عليها وينقلبون ضدها في كثير من الأحيان وأكثر من ذلك يرتمي البعض منهم في أحضان أعدائها وهو ما جعلها لقمة سائغة بالنسبة للرومان وقد أساءت للمغاربة بسياستها تلك. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن روما كانت دولة في مستهل شبابها تطبق نظاما انضباطيا بين مواطنيها لا يقل صرامة عن التنظيم الذي كان سائدا قبل ذلك في مدينة اسبارطة ببلاد الإغريق وكان الهدف من كل ذلك هو جعل البحر المتوسط بحيرة رومانية وإيجاد مستعمرات لجنودها وعبيدها في مناطق أخرى خارج شبه جزيرة إيطاليا قصد التخفيف على مدينة روما التي كانت تعج بالطبقات الاجتماعية المتصارعة على السلطة والسياسة والاقتصاد، إضافة إلى العبيد والجنود المتقاعدين الذين أصبحوا يشكلون خطرا عليها.
--------------------------------------------------------------------------------
الدكتور محمد الصغير غانم كتاب "مقالات وآراء في تاريخ الجزائر القديم"
اسماء المسيلية- ك.ش
-
رسالة sms : سلام عليكم
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1993
نقاط التميز : 19580
تاريخ التسجيل : 25/02/2009
ربيع الحب- ك.ش
-
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 2294
نقاط التميز : 20461
تاريخ التسجيل : 19/03/2009
رد: العلاقات الفينيقية المغاربية في شمال إفريقيا
الله يسلمك
مشكوورة اخيتي
مشكوورة اخيتي
اسماء المسيلية- ك.ش
-
رسالة sms : سلام عليكم
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1993
نقاط التميز : 19580
تاريخ التسجيل : 25/02/2009
رد: العلاقات الفينيقية المغاربية في شمال إفريقيا
يسلموووووووووووو
الهام الجزائر- عضو فعال
-
رسالة sms :
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 317
نقاط التميز : 17496
تاريخ التسجيل : 09/04/2009
عبدالله المسيلي- مشرف
-
رسالة sms :
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 151
نقاط التميز : 17092
تاريخ التسجيل : 26/06/2009
اسماء المسيلية- ك.ش
-
رسالة sms : سلام عليكم
الهويات :
المهن :
الاعلام :
الجنس :
عدد الرسائل : 1993
نقاط التميز : 19580
تاريخ التسجيل : 25/02/2009
مواضيع مماثلة
» وفاق سطيف وبلوزداد يشاركان في بطولتي شمال إفريقيا
» نظرية ماسلو للحاجات لطلبة العلاقات العامة لمن يريد المزيد يتصل بي
» حصريا قرعة كأس إفريقيا أنغولا 2010
» المدرب الجديد لن يحدث أي تغيير على التشكيلة أمام إفريقيا الوسطى
» عاجل: قرعة دوري أبطال إفريقيا: الوفاق في مواجهة نادي...
» نظرية ماسلو للحاجات لطلبة العلاقات العامة لمن يريد المزيد يتصل بي
» حصريا قرعة كأس إفريقيا أنغولا 2010
» المدرب الجديد لن يحدث أي تغيير على التشكيلة أمام إفريقيا الوسطى
» عاجل: قرعة دوري أبطال إفريقيا: الوفاق في مواجهة نادي...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 26, 2023 4:51 pm من طرف guerna noureddine
» حضارات ماقبل التاريخ
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:36 pm من طرف بن عامر لخضر
» واد سوف على مر الزمان ثاني اكبر معلم تاريخي فالجزائر
الخميس نوفمبر 16, 2017 5:34 pm من طرف بن عامر لخضر
» من أقطابنا لبرج الغدير : زاوية سيدي احسن بلدية غيلاسة دائرة برج الغدير
الثلاثاء نوفمبر 14, 2017 6:38 pm من طرف بن عامر لخضر
» انتشار الامازيغ
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:40 am من طرف بن عامر لخضر
» من اقطابنا لبرج الغدير: رحلة في ذكرى 8ماي1945( بئر ميشوبأولاد سي احمد )
السبت أكتوبر 21, 2017 5:56 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 1:09 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : منارة علم بقرية الدشرة ( مسجد الحاج الشريف )
الأحد أكتوبر 08, 2017 12:57 pm من طرف بن عامر لخضر
» برج الغدير : معلم أثري يكاد يندثر ( الضريح الروماني ببرج الشميسة )
الإثنين أكتوبر 02, 2017 6:42 am من طرف بن عامر لخضر
» مجموعة أطروحات دكتوراه دولة في الإقتصاد.
الجمعة مارس 31, 2017 9:25 pm من طرف yacine ha
» بعض من مؤلفات الدكتور محمد الصغير غانم
الثلاثاء مارس 21, 2017 8:42 am من طرف cherifa cherifa
» ربح المال مجانا من الانترنت
السبت فبراير 25, 2017 9:15 am من طرف mounir moon
» موسوعة كتب الطبخ
الجمعة فبراير 24, 2017 4:43 pm من طرف mounir moon
» cours 3eme année vétérinaire
الجمعة فبراير 24, 2017 4:38 pm من طرف mounir moon
» اين انتم
الإثنين فبراير 13, 2017 2:47 pm من طرف guerna noureddine